تحتفل الكنيسة المصرية في الأول من يونيو بذكرى دخول المسيح ووالدته العذراء مريم ، ويوسف النجار إلي أرض مصر ، فمصر أول بلد خطتها قدمي السيد المسيح ، فتعلم السير علي قدميه بمصر ، وأول ما أكل السيد المسيح من طعام ، كان من مزروعات و أطعمة مصر ، وأول ماء شربه السيد المسيح ، كان ماء نهر النيل ، فعند دخوله مصر كان محمولاً علي ذراعي السيدة العذراء مريم ، محتمياً بأرضها مع أمه ويوسف النجار ، يذكر الأنجيل أنه " ظهر ملاك الرب يوسف في حلم قائلاً :- قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلي مصر . وكن هناك حتي أقول لك . فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وأنصرف إلي مصر " وأشار بعض المفسرين إلي تلك الرحلة المباركة في تفسيرهم لأية قوله تعالي " وجعلنا أبن مريم و أمه اَية واويناهما إلي ربوة ذات قرار ومعين " ويعتبر الثعلبي من أبرز من روى قصة رحلة العائلة المقدسة ، إلي مصر في التراث الإسلامي ، وذلك في كتابه قصص الأنبياء المسمي ب " العرائس " فهو الإمام العلامة أبي أسحق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي النيسابورى ، ومن أعلام القرن الخامس الهجرى ، ورواها أيضاً أبن كثير و الطبرى و غيرهم ، فخصص الثعلبي في كتابه باباً كاملاً عن قصة عيسي أبن مريم ، عليه السلام ، أسماه ، باب في ذكر خروج عيسي ومريم عليهما السلام إلي مصر ، فقيصر هردوس لما عرف ، ملك بني إسرائيل خبر المسيح قصد قتله ، فكان مولد عيسي عليه و علي أمه السلام ، بعد مضي أثنين وأربعين سنة من ملك أغسطوس وإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الأشكانيين ملوك الطوائف ، فكانت المملكة في ذلك الوقت لملوك الطوائف ، وكانت الشام وضواحيها يرأسها القيصر ملك الروم ، ويكتب الثعلبي روايته قائلاً :- إن الله سبحانه وتعالي بعث ملكاً إلي يوسف النجار وأخبره بما أراد هردوس و أمره أن يهرب بالغلام وأمه إلي مصر ، وأوحي الله سبحانه وتعالي كذلك إلي مريم أن ترحل إلي مصر لأن هردوس إن ظفر بأبنها لقتله ، " فإذا مات هردوس فارجعي إلي بلادك ، فأحتمل يوسف مريم وأبنها علي حمار له حتي ورد أرض مصر" ، وروى الطبرى في تاريخه رحلة العائلة المقدسة إلي مصر ، ذاكراً أنها كانت هروباً من الملك الذى أراد أن يعلم مكان عيسي ، فهربت به السيدة مريم ويوسف النجار ، إلي أرض مصر ، وذكر أن أستقرت العذراء مريم هناك أثنتي عشرة سنة تكتمه عن الناس ولا تجعل أحداً يطلع عليه ولا يعرفه ، الرحلة المباركة من فلسطين إلي رفح و العريش والفرما وتل بسطا والزقازيق ومسطرد ( المحمه) وبلبيس وسمنود وبرلس وسخا ووادى النطرون والمطرية عين شمس والفسطاط ومنطقة المعادى ومدينة منف ( ميت رهينة) الي جنوب الصعيد عن طريق النيل الي دير الجرنوس بالقرب من مغاغة والبهنسا وجبل الطير وبلدة الأشمونيين وقرية ديروط الشريف ومدينة القوصية قرية مير الي دير المحرق الشهير بدير العذراء مريم التي قضت فيه العائلة المقدسة أطول الفترات 6 شهور و10 أيام الي جبل درنكه بعد أن أرتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام أتجهب جنوباً إلي أن وصلت إلي جبل أسيوط حيث دير درنكة توجد به مغارة منحوتة في الجبل أقامت به العائلة المقدسة وكان دير درنكة أخر المحطات التي قد التجأت اليها العائلة المقدسة في رحلتها إلي مصر ، رحلة عظيمة مباركة ، تحمل الطهر والنجاة في أرض مصر ، تحمل المثابرة والتحمل من العذراء مريم والنبي عيسي وكأن كُتب علي أهل الكتاب التعب والمشقة من أجل لذة الوصول لتحقيق الرسالة السامية ، وتفيض الرحلة إجلالاً لوطننا ، الذى بوركت أرضه من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب ، من مشرقها لمغربها ، بأقدام العائلة المقدسة ، وكأن التاريخ والأديان تسطر بأحرف من نور ، أن مصر بلد له قدسيته ، ويحميها رب العالمين ، دائماً وأبداً إلي يوم الدين " أدخلوا مصر إنشاء الله اًمنين " صدق الله العظيم ,,,
وأستمر يونيو في تقديم أحداث ، لتغيير مجرى ومسار التاريخ ، أردت اأن أذكر الثامن عشر من شهر يونيو بالأخص ، وما مدى أرتباطه بالتاريخ ، وعن تاريخ مصر بالتحديد ،من الأقدم فالأحدث ، فكان هذا اليوم ، من عام 1805 ، تنصيب محمد علي باشا علي حكم مصر ، بعد تزكيته من رجال الدين ، وبالأخص تزكية الشيخ عمر مكرم ، ولكنه ترك للتاريخ ، تجريه تستحق أن تدرس ، فهو لم يتحدث العربية ، ولم يولد بمصر ، ولكن عمل علي عزتها وبناء قوتها ، وتطويرها أقتصادياً فهو منشئ أقتصاد القطن الذى ساهم لسنوات طويلة في جعل مصر محل أهتمام وثقل في العالم ، وصاحب نظام الرى ، الذى أستمر حتي سنوات قليلة ماضية ، والأهم أنه أول من زود الجيش ، بأبناء الطبقات الفقيرة ، من المصريين ، بعد أن كان محرماً عليهم ، عمل محمد علي علي التنمية وبناء المشروعات الضخمة ، وخلق أمبراطورية بالمقاييس المصرية ، أسس صناعة حديثة علي النهج الغربي ، وأنشأ نظام في إدارة الدولة ، توسع شرقاً وغرباً وزاحم الإمبراطورية العثمانية ، وكاد أن يقضي عليها ، ويبني خلافة مقرها مصر ، لكن وقفت ضده جميع القوى العاليمة ، تضامناً مع رجل أوروبا المريض ، " الدولة العثمانية " , إلي أن أستقر محمد علي باشا علي حكم مصر حتي وفاته عام 1849 ، وفي 18 يونيو 1953 ألغي النظام الملكي ، في مصر بعد ثورة 23 يوليو ، وأُعلنت أن مصر جمهورية ، ما أنهي قرناً ونصف القرن من حكم سلالة محمد علي باشا ، وأرتبطت روح القومية في المنطقة بمصر الناصرية ، وظهرت أحلام الوحدة السياسية ، هي السائدة في العالم العربي ، ودعمها الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج ، وأزدهرت فترة إعادة أمجاد الحضارة العربية ، وليطبع هذا اليوم من شهر يونيو في ذاكرة التاريخ ، المنصفة ، كان في الثامن عشر من يونيو عام 1956خروج أخر جندى بريطاني من قناة السويس ، بعد صراع الأشرس من نوعه أندلع فور إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار تأميم شركة قناة السويس ، فواجهت مصر سحب تمويل الولايات المتحدة للسد العالي ، وتجميد الأموال المصرية في فرنسا وأنجلترا ، وجمدت الولايات المتحدة أموال شركة القناة لديها ، وشنت القوى الدولية العدوان الثلاثي علي مصر ، وفي النهاية أنتصرت مصر ، وتمصرت شركة قناة السويس ، وفي يونيو الحديث عام 2014 في الثامن منه ، نُصب الرئيس عبد الفتاح السيسي ، علي حكم مصر ، بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، ليأخذنا إلي جمهورية جديدة ، في البناء و التنمية للإنسان والمؤسسات ، لدولة برمتها وعظمتها ، أيضاً سُطرت بدايتها في شهر يوينو ، وكأن كُتب علي يونيو ، أن يعيد الأمجاد للتاريخ ، وأن يصاحب العظماء برحلات الأقوى والأمجد من نوعها ، فخورة بمصريتي .