تحدثنا فى المقالة السابقة عن تلك الحيرة التى تجتاح نفس الإنسان وأفكاره فى أثناء مسيرته فى رحلة الحياة، حَيرة متى استسلم لها فترات طويلة كانت عاملاً سلبيًّا فى حياته إذ تحمل معها التردد والقلق، مع التوتر الذى سُرعان ما يتحول إلى غضب قد يصل به إلى تعطُّل طاقاته ومواهبه وإمكاناته!.
ولكسر تلك الحيرة التى تكون حلقة مُفرَغة تسرق الإنسان من الحياة، علينا أن ندرك أسباب الحِيرة، ومنها:
• يُعد عدم فَهم الإنسان لِما يدور من حوله من أحداث ومواقف أحد الأمور التى تجعله فى حيرة من اتخاذ قرار أو موقف؛ وقد يظهر ذلك فى حياة أولئك الذين يهاجرون من بلادهم إلى أخرى ولا يُتقنون لغتها، فيكونون فى حِيرة إلى أن يعتادوا الحياة هناك.
• الخوف من الخطأ النابع من رغبة الإنسان فى عدم الإخفاق أو عدم اختيار الموقف غير المناسب، كإنسان يجد أمامه عددًا من الخِيارات فيتردد أمامها خوفًا من الفشل. وهناك نوع من البشر يعتبر الفشل كارثة كبرى تُنهى أحلامه وآماله، فيحاول الابتعاد عنه مما يجعله دائمًا فى حالة من الحَيرة والتردد والقلق عند اتخاذ أى قرارات. وأتذكر هنا كلمات الفيلسوف اليونانى "أرسطو" عن الفشل: "الهروب هو السبب الوحيد فى الفشل؛ ولذا فإنك لا تفشل ما دمتَ لا تتوقف عن المحاولة".
• سبب آخر يكمن فى عدم وجود قدر مناسب من المعرفة عن موضوع الاختيار، فهذا النقص من المعلومات التى تشتمل على إيجابيات الخِيار وسلبياته يقود الإنسان إلى حِيرة شديدة.
• عدم الثقة بالنفس أحد الأسباب المهمة التى تجعل الإنسان مترددًا وفى حيرة من أمره عند اتخاذ قرارا بِشأن موقف. يقولون: "للثقة بالنفس حُدود؛ فالإفراط فيها يسمى غُرور، والتقليل منها يسمى تردد."
• عدم وجود هدف واضح فى حياة الإنسان، أو حينما يفقد الإنسان رؤيته للأمور، فيؤدى هٰذا أو ذاك إلى اهتزاز الهدف الذى وضعه لنفسه؛ فيجد الإنسان ذاته فى حِيرة قاسية قد تدمر حياته.
• عدم قدرة الإنسان على التعامل مع تقلُّب المواقف، أو عدم الاستقرار الذى هو أحد سمات الحياة، يضعه فى حَيرة وتردد وتساؤل دائم عن الصواب والخطأ.
• يقول الكاتب الروائى العالمى "نجيب محفوظ": "ما أشد حَيرتى بين ما أريد وما أستطيع!". فقد تأتى الحَيرة من أحلام تفوق إمكانات الإنسان الحالية أو وضعه العائلى والاجتماعى غير المستقر, مما يصبغ حياته وأفكاره بالتردد وصعوبة اتخاذ القرارات الملائمة.
• سبب آخر هو محبة البعض الفائقة لِذاته ورغبته فى الحصول على كل شىء دون خَسارة حتى أقل القليل، فى تناسٍ أن إحدى سمات الحياة أنها حياة شركة بين الجميع: يتقاسمه بأفراحها وأحزانها.
أسباب كثيرة قد تؤدى بنا جميعًا إلى الحِيرة والتردد، إلا أننا ينبغى ألا نتوقف حيالها ونعتذر عن الاستمرار فى الحياة، بل يجب أن يُدرِك كل إنسان ما يسبب له الحَيرة والتردد، ويبدأ فى خُطوات إيجابية نحو تخطى هٰذه العوائق و.. وللحديث بقية..
•الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى