ما بين زيارة الرئيس السيسى إلى الهند وزيارة رئيس الورزاء الهندى ناريندرا مودى إلى مصر، ستة أشهر فقط. فى الأولى كانت الدعوة الهندية لمصر لتكون الضيف الرئيسى فى احتفالات يوم الجمهورية فى العيد الـ74 للهند ليكون السيسى أول رئيس مصرى يمنح هذا التكريم.
وكان الاستقبال المبهر للرئيس يليق بمكانة مصر ودورها التاريخى والريادى والقيادى فى قضايا العالم الثالث، ويعكس طبيعة العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين القاهرة ونيودلهى.. المؤسستان لحركة عدم الانحياز فى منتصف الخمسينات وعلاقات الأخوة والصداقة التى ربطت بين الزعيمين ناصر ونهرو.
وفى الثانية، وهى الزيارة التى يقوم بها حاليا رئيس الوزراء الهندى إلى مصر، وتعد الزيارة الأولى لرئيس الوزراء مودى إلى مصر والأولى التى يقوم بها رئيس وزراء هندى للقاهرة منذ عام 1997. وتتزامن مع مرور 75 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والهند، هذه الزيارة تشير وتؤكد بقوة على خصوصية العلاقة بين البلدين الصديقين، شعبيا ورسميا، والأرضية التاريخية المشتركة التى تربط بينهما واستعادة الوهج السياسى والاقتصادى بين الجانبين، وحرص القيادة فى البلدين على الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وتأكيدا لذلك، قلد الرئيس السيسى، رئيس الوزراء الهندى قلادة النيل، التى تمثل أرفع الأوسمة المصرية، وأعظمها شأناً وقدر، فى لافتة لها دلالتها السياسية.
العلاقات الوثيقة بين البلدين لم تكن تقتصر فقط فى الماضى على تأسيس كتلة حركة عدم الانحياز التى كانت تضم 120 دولة نامية، وإنما على تجربة تنموية متشابهة بدأت متوازية وحققت فيها مصر والهند معدلات نمو غير مسبوقة على المستوى الاقتصادى والاجتماعى فى البناء والتنمية.. لكن التجربة المصرية تعرضت لانتكاسة الحروب فى يونيو 67 وحتى حرب التحرير فى أكتوبر 73 وتعديل التوجه الاقتصادى للدولة المصرية، فيما استمرت الهند فى تجربتها التنموية الضخمة حتى احتل الاقتصاد الهندى المرتبة الخامسة أو السادسة عالميا الآن ومرشح بقوة للصعود الى المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين خلال السنوات القليلة القادمة.
مصر الآن وبعد تولى الرئيس السيسى مسئولية الحكم فى يونيو 2014، تسعى وبقوة من جديد لتنفيذ أضخم خطة تنمية رغم كل التحديات الداخلية والخارجية وفقا لرؤيتها 2030 لتدخل نادى أكبر 10 اقتصادات فى العالم.
زيارتا يناير الماضى ويونيو الحالية تؤسسان لمرحلة جديدة فى العلاقات الثنائية بين القاهرة ونيودلهى مع توافر الإرادة السياسية فى الجانبين، وهو ما يعكسه الإعلان المشترك لرفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فما يحمله رئيس الوزراء الهندى مودى فى حقيبته الاقتصادية يعنى الكثير بالنسبة لمصر، فمن ناحية، فإنها تعزز الاستثمارات الهندية فى مصر فى ظل توافر الفرص الاستثمارية فى مصر بجميع المشروعات القومية ومضاعفة حجم الاستثمارات الهندية الحالية فى مصر، والتى تصل إلى 3.15 مليار دولار، واعتبار الهند أن مصر الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتمتع بأهمية جغرافية استراتيجية شديدة حيث تمر 12 فى المائة من التجارة العالمية عبر قناة السويس، ويمكنها أن تكون بوابة للأسواق الرئيسية فى كل من أوروبا وأفريقيا. وهو ما تسعى إليه الهند منذ تولى رئيس الوزراء مودى.
كما تسعى كل من الهند ومصر لزيادة حركة التجارة البينية خلال السنوات الخمس المقبلة، ليسجل التبادل التجارى بين القاهرة ونيودلهى قرابة 12 مليار دولار، فى ظل تأكيد الحكومتين على العمل على إزالة كل المعوقات أمام حركة التجارة وتنويع التجارة بين البلدين. فى حين تقدر قيمة التبادل التجارى بين الجانبين بـ 6 مليارات دولار خلال عام 2022 مقابل 5.3 مليار دولار خلال عام 2021.
الهند حريصة على توسيع وتعميق العلاقات مع مصر، ولذلك كان الحرص على دعوة مصر كبلد ضيف لحضور أعمال القمة المقبلة لمجموعة العشرين بنيودلهى تحت الرئاسة الهندية فى سبتمبر المقبل. كما أن الهند تؤيد وتدعم انضمام مصر للتكتل الاقتصادى لمنظمة بريكس التى تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وفى الطريق مصر والسعودية والإمارات، والذى من المقرر أن يعقد فى أغسطس المقبل.
مصر أيضا من جانبها ومنذ تولى الرئيس السيسى، حرصت على تنويع الشراكات والعلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع كل الدول، وخاصة مع الدول الأسيوية وفى المقدمة الهند، واتضح ذلك فى الزيارة الأولى للرئيس إلى الهند فى عام 2016 والتى حققت طفرات اقتصادية خلال السنوات الماضية، واستطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتى فى سلع ومحاصيل زراعية استراتيجية وصناعات متقدمة.
مجالات عديدة يمكن التعاون فيها وخاصة فى اقتصاد المستقبل أو ما يسمى بالاقتصاد الأخضر واقتصاد تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، والتجربة الهندية الكبيرة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، تجربة مثيرة للإعجاب وحققت إنجازات كبيرة حتى أصبحت صادرات الهند حاليا من تكنولوجيا المعلومات ما يقرب من 150 مليار دولار سنويا، وهى تجربة تستحق الدراسة والمتابعة والاستفادة منها.
فالهند تركز حاليا على كل التقنيات الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والبيانات التسلسلية إلى جانب دعم القطاعات ومراكز التفوق المحددة.
وزير الخارجية الهندى الدكتور إس جايشانكار أكد على أن نيودلهى والقاهرة تشتركان فى "علاقات دافئة وودية تتميز بروابط حضارية وثقافية واقتصادية وروابط عميقة الجذور بين الشعوب، وأن العلاقة متعددة الأوجه تقوم على القيم الثقافية المشتركة والالتزام بتعزيز النمو الاقتصادى والتعاون فى مجالات الدفاع والأمن والتقارب فى القضايا الإقليمية والعالمية.
لكن ما أود الحديث عنه هنا وسبق لى زيارة الهند فى عام 2002 لولاية اندرابراديش وعاصمتها حيدر آباد، وتقع فى جنوب شرق الهند وعدد سكانها يوازى عدد سكان مصر تقريبا.
وزرت مدينة الهاى تك سيتي، وهى مدينة صناعة تكنولوجيا المعلومات فى العاصمة وهى واحدة من مدن المعلومات المنتشرة فى الهند وأهمها بالطبع فى بنجالور وفق للخطة الاستراتيجية للدولة للنهوض بقطاع تكنولوجيا المعلومات خلال 20 عاما بدأت فى نهاية التسعينات، وبالفعل حققت المعدلات المتفق عليها.
والطموح الهندى لا يقف عند هذا الحد – كما قال أومكار راى مدير عام مناطق تكنولوجيا البرمجيات فى الهند – فبلاده تستهدف زيادة حصتها السوقية من منتجات البرمجيات فى العالم بمقدار 10 أمثال بحلول 2025.
التجربة الهندية فى مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات تستحق الدراسة والمتابعة والاستفادة منها، فلم تصل الهند إلى هذا المستوى الا فى وجود نحو 4.47 مليون مهندس هندى يعملون فى هذه الصناعة. فقصة الصحوة الاقتصادية ومنها التكنولوجية مثيرة ومدهشة مثل قصة الهند أم العجائب".
الهند تركز حاليا على كل التقنيات الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والبيانات التسلسلية إلى جانب دعم القطاعات ومراكز التفوق المحددة. ولن نتحدث عن صناعات أخرى مثل صناعة السينما التى تساهم بتوظيف 23٪ من إجمالى سوق العمل بالهند، وتحقق عوائد بما يتجاوز 20مليار دولار سنويا من انتاج 2000 فيلم.