قصص التاريخ عبر، وليست مجرد حكايات، فنحن نقرأ فيها حيوات السابقين ونتأملها، ونلحظ ما فيها من دروس ومصائر، ومؤخرا كنت أطلع على تاريخ الدولة العباسية، وتوقفت عند سنة 247 هجرية، ورأيت عندما قام المنتصر بقتل والده الخليفة المتوكل، وتولى مكانه بعدما أبعد أخوته وأجبرهم على التنازل له، لكن الغريب أنه بعد 6 أشهر فقط مات هو.
تقول كتب التراث أن المنتصر لم يكن هو ولى العهد بل كان أخوه المعتز، أما الأب الخليفة المتوكل فهو الذى أنهى فتنة "خلق القرآن" وأمر بالتوقف عن الكلام فيها، المهم أن المنتصر فكر ودبر واستعان ببعض الأمراء والأجانب وقتل والده، ثم طلب البيعة بالليل وحصل عليها وأجبر أخاه المعتز وأخا له يدعى إبراهيم بالتنازل وجعل ولاية العهد في ابنٍ له اسمه "عبد الوهاب" لكن كل ما خطط له ذهب مع الريح.
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير :
لم يستكمل بعد قتل أبيه سوى ستة أشهر، ففي أواخر صفر من سنة 248 هجرية عرضت له علة كان فيها حتفه، وقد كان المنتصر رأى في منامه كأنه يصعد سلما فبلغ إلى آخر خمس وعشرين درجة.
فقصها على بعض المعبرين فقال: تلي خمسا وعشرين سنة الخلافة، وإذا هي مدة عمره قد استكملها في هذه السنة.
وقال بعضهم: دخلنا عليه يوما فإذا هو يبكي وينتحب شديدا، فسأله بعض أصحابه عن بكائه فقال: رأيت أبي المتوكل في منامي هذا وهو يقول: ويلك يا محمد ! قتلتني وظلمتني وغصبتني خلافتي، والله لا أمتعت بها بعدي إلا أياما يسيرة ثم مصيرك إلى النار.
قال: فما أملك عيني ولا جزعي.
فقال له أصحابه من الغرارين الذين يغرون الناس ويفتنونهم: هذه رؤيا، وهي تصدق وتكذب، قم بنا إلى الشراب ليذهب همك وحزنك.
فأمر بالشراب فأحضر، وجاء ندماؤه فأخذ في الخمر وهو منكسر الهمة، وما زال كذلك مكسورا حتى مات.
وذكر ابن جرير أن أم الخليفة دخلت عليه وهو في مرضه الذي مات فيه فقالت له: كيف حالك؟
فقال: ذهبت مني الدنيا والآخرة.