شهدت المحروسة تحولًا تاريخيًا؛ حيث جاءت ثورة 30 يونيو معبرة عن رفض الواقع المرير الذي عاشه الشعب المصري العظيم بغية أن يحيا حياة كريمة ويتذوق الحرية، ولا يمكث في براثن الفساد الفكري والمادي التي أتت به الجماعات مدعية الأباطيل، ومن ثم أسفر تحرك الجموع الهادرة في صورتها السلمية عن تغيير المشهد؛ فقد بلغت الاحتجاجات الجماهيرية ذروتها أنحاء البلاد دون استثناء لكل ميدان من الميادين المصرية.
وفترة ما قبل الثورة عانت البلاد من اضطراب شهد له القاصي والداني في العديد من المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية؛ نظرًا للممارسات التي قامت بها الجماعة الحاكمة، ذلك لأن عقيدتها المتجذرة قائمة على مصلحة منتسبيها؛ فلا مكان لوطن ومصلحته العليا، ولا تمسك بمواطنة تقوم على الأمن الوطني؛ فحدودها مفتوحة مع المدعين بالخلافة لهذا العصر؛ لذا تصاعدت الأزمات على الساحة المصرية فحدث الركود في المجالات كافة، بل والأصعب من ذلك تفتيت نسيج الدولة، مما يعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، الذي يعد عماد استقرار البلاد.
ومن العوامل الرئيسة التي ساهمت في حدوث ثورة 30 يونيو استشعار الشعب المصري الأصيل بالخطر المحدق بكيان ومقدرات ومؤسسات الدولة في الداخل والخارج؛ بالإضافة لفقدان مُناخ الأمن والأمان على المستوى العام، والأثار المباشرة من ارتفاع لمعدلات البطالة، وتوقف عمل المؤسسات بصورة جماعية، والتظاهرات الفئوية التي قضت على الاقتصاد وتسببت في إغلاق الطرق العامة وفي وقف عجلة التنمية مما شكل خطورة وتحديات لم تواجهها البلاد من ذي قبل.
ومن الصعوبة بمكان أن يتقبل الشعب الأبي تهديدًا في هويته؛ فهو شعب جسور يسعى عبر تاريخه وأصوله الراسخة لنيل حريته، ولا يتقبل الدنية في معيشته أو الاستخفاف بمعتقده النقي؛ لأنه يمتلك نسقًا قيميًا يستحيل اختراقه أو مساومته عليه، ومن ثم أكد جسارته وخاض معركة الشرف والبطولة التي اعتاد عليها، واستعاد هويته المختطفة؛ ليحقق نهضته وينال مكانته بين مصاف الدول التي تقدس الحرية، وتعمل على استدامة مواردها لضمانة ازدهارها وتحقيق آمال وطموحات أجيالها الحالية والمستقبلية.
لقد تعرضت الدولة بمؤسساتها لهيمنة من قبل الطائفة الحاكمة؛ إذ شغلت وبصورة ممنهجة مواقع استراتيجية بتلك المؤسسات؛ فاحتلت مجلس النواب ومجلس الشورى وقامت بتعيين نائب عام منتمٍ لها ووزير عدل مواليًا لها، وعن الإعلام فحدث ولا حرج؛ حيث وُضع تحت ولاية مكتب الإرشاد مباشرة، كما تمت محاصرة المؤسسة الشرطية بأسلوب مقيت؛ فتم تخريب منشآتها وأقسامها؛ بالإضافة لعزل منظم لكوادرها المتخصصة في مقاومة التطرف والإرهاب، كما لم تسلم المؤسسات العقيدية العريقة بالبلاد من محاولات الجماعة الإرهابية في تقوض أدوارها، وفي الحقيقة فقد أثار هذا المشهد حفيظة المصريين الذين برهنوا عن غضبهم بمظاهرات حاشدة امتلأت بالملايين دون مبالغة.
ويشهد التاريخ على حالة الترابط بين الشعب المصري العظيم ومؤسسته العسكرية التي باتت ملاذه ومأمنه في مواجهة الخطر الداهم من جماعة أضحى تنظيمها يفوق المئة عام، تمتلك الموارد المادية والبشرية، وتدعي السيطرة على مجريات الأحداث وبقائها في الحكم لقرون من الزمان، وفي المقابل استجابة المؤسسة العسكرية لنداء الشعب ولبت على الفور ما يتمناه الشعب وما يرغب الوصول إليه.
وليس بمستغرب انحياز القوات المسلحة وقائدها العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي للشعب، وحمل سيادة الفريق روحه على كفه دون تردد؛ ليوقف طغيان الجماعة الإرهابية؛ فقد نال شرف تفويض الشعب المصري بكامله؛ فلم يتردد للحظة في مواجهة الطغيان ودحر الفئة الضالة، بغية أن يحقق للشعب مكتسبات ومطالب ثورتي الصلاح والإصلاح (25 يناير _ 30 يونيو).
والمتأمل لما مرت به البلاد من تداعيات وأحداث للثورة المباركة ثورة الإصلاح يلاحظ ما تحمله قائد الجيش العظيم، بل والمؤسسة العسكرية بكاملها من مسئولية جسمية؛ إذ عانت البلاد من مقاومة أزلام الفئة الضالة لسنوات، حتى تمكنت مؤسسات الدولة الوطنية من جيش وشرطة وقضاء تحت قيادة المشير عبد الفتاح السيسي من فرض سيادة الدولة وتأمينها من المخاطر التي تحيط بها من الداخل والخارج، وتلك الفترة الصعبة سميت بالنفق المظلم حينها.
لم يُغفر للجماعة الإرهابية ما قامت به من خيانة وغدر وممارسات أودت بحياة الكثير من الأرواح الطاهرة؛ فتم عزلهم ورئيسهم، وتم محاسبتهم وفق مواد الدستور، وحظر كافة أنشطتهم المريبة، واستشعرت المؤسسة العسكرية وبطلها الهمام ضرورة استكمال المسيرة بغية استقرار أركان الدولة والبقاء على مقدراتها؛ حيث تم تعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ لتخطو بالجمهورية الجديدة نحو التقدم والنهضة في مجالاتها المختلفة برجالها الأبطال ونسائها الشجعان، وشبابها القوي الذي ضرب المثل في نموذج الوحدة والتضافر مع مؤسسات وطنه.
إن ما نحن فيه من أمن وأمان واستقرار كان نتيجة لوعي الشعب المصري العظيم ويقظته بأهمية الوطن؛ فلا حياة ولا تقدم ولا نهضة ولا حرية ولا عدالة ولا عيش كريم بعيدًا عن وطن حر، وأرض تقوم عليها النهضة وتتأصل بها الحضارة، وتستكمل مسيرة التنمية والاستدامة في مجالاتها المختلفة، خاصة وأن الشعب قد عانى من فترات وصفت بالصعبة قبل ثورة يناير، وبالفساد والمحسوبية المفرطة بعد الثورة وتمكن الجماعة الإرهابية من أركانها؛ لذا راهنت المؤسسة العسكرية وقائدها الجسور على هذا الوعي، وكسبته وحققت آمال وطموحات شعبها الصبور.
وحري بالذكر أن للثورة ثمرات تمثلت في الإصلاح والتنمية لمستقبل يستحقه الشعب المصري؛ فقد حرصت القيادة السياسية منذ توليها على بث الأمن والأمان وتثبيت أركان الدولة لتبدأ بكامل قوتها في إحداث نهضة حقيقية بالدولة؛ حيث تم إنشاء بنية تحتية جديدة تلاها بنية تحتية فوقية، استعدادا لتنمية المجالات الصناعية والزراعية والتجارية والتعدينية، ومن ثم يتحقق شعار الثورة "العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، لشعب يستحق الخير الوفير.
ويصعب أن نغفل دور الثورة المجيدة في تمكين المرأة؛ لتشغل الوضعية اللائقة بها؛ لتثبت أنها شريك فاعل في التنمية بالبلاد، لما تتمتع به من مهارات وملكات متفردة في كافة المجالات التنموية والقيادية، كما اتيحت الفرصة للشباب المصري ليصبح قادرًا على القيادة والريادة لما يتميز به من تفكير راقٍ ودأب نحو تحقيق النجاح؛ ليثبت جدارته ويغير من العقيدة السلبية التي ركزت علي توالي القيادة والمناصب القيادية لكبار السن وأصحاب الخبرة العتيقة.
وبما لا يدع مجالًا للشك ساهمت الثورة في بناء الجمهورية الجديدة؛ حيث دشنت المشروعات القومية، بل ونفذ الكثير منها في أزمنة قياسية برغم التحديات التي تواجه العالم بأسرة وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية العالمية؛ إلا أن الطريق نحو الجمهورية الجديدة كان مرصعًا بالعزيمة التي هيأت المُناخ التنموي بمجالات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والإسكان والطرق والنقل والموصلات والتجارة والاستثمار، وتحلية مياه البحر وتطوير ورفع كفاءة وإنشاء المئات من محطات المياه بمختلف أنحاء الدولة المصرية.
ووجهت القيادة السياسية لبناء العاصمـة الإدارية ذلك الصرح الذي ضم مؤسسات الدولة؛ لتصبح مركزًا رئيسًا للعمل الإداري القائم على التقنية الرقمية في ثوبها الجديد؛ لتقدم الخدمة التي تليق بالمواطن المصري في مكانه؛ ليستشعر الرضا، ويتذوق جودة الحياة التي حُرم منها لعقود، وليتحرر من البيروقراطية القاتلة؛ ليتمكن من الابتكار ويساعد في بناء الدولة واستدامة تنميتها وفق تخصصاته النوعية وموقعه الوظيفي.
كما لم تغفل الدولة عن المناطق العشوائية المناطق غير الآمنة؛ فوضع مخطط القضاء عليها الامر الذي بات واقعًا نعيشه؛ فبنيت المساكن على أحدث طراز مرافقها الأساسية مكتملة؛ لتستوعب جموع الشعب الذي يستحق التكريم بعد صبر طويل، كما اهتمت الدولة بالحريات في إطارها المسئول فأقامت المنصة الحوارية الراقية المتمثلة في "الحوار الوطني" الذي دعت له القيادة السياسية ليصبح ملتقى حر لمناقشة مستقبل الجمهورية الجديدة ومن خلاله يتم معالجة مختلف القضايا والإصلاحات والتحديات التي تواجه الدولة محلياً وإقليميا وعالمياً.
حفظ الله بلادنا وقيادتنا السياسية ومؤسساتها ورجالها المخلصين وشعبها العظيم.