"أصحاب القلوب الرحيمة"، هذا المصطلح يظهر فى مجتمعنا الشرقي عند مساعدة المحتاجين، فهم من يسعون إلى الخير ويتسابقون على فعله ابتغاءً لوجه الله فقط، لكنه يلازم أكثر، الأطباء الذين يشعرون بالفقراء وينصتون إلى أنين المرضى، بقلوب خاشعة وعيون دامعة، وهدف واحد من خلال تسخير عملهم وطاقاتهم لخدمة الإنسانية.
نحن في مجتمعنا، نرى نماذج كثيرة من الأطباء، يقدمون رسالتهم على أكمل وجه، ويفعلون الغالي والنفيس، كما يقولون، لخدمة المرضي، دون النظر لكسب الأموال من عدمه، مثلما يفعل بعض الأطباء الآخرين، فمن منا ينسي الدكتور الراحل محمد مشالي ابن محافظة الغربية، والذي حصل على لقب "طبيب الغلابة" وبات "أيقونة" للكثير، بعد أن ظل طوال حياته يعالج مرضاه بسعر زهيد لا يتجاوز 10 جنيهات.
مؤخرًا، تلقيت رسالة من الصديق العزيز الدكتور أحمد عبد الستار الطوانسي، أخصائي جراحة العظام والمفاصل والعمود الفقري، في مستشفى بنها للتأمين الصحي، حول وجود مبادرة يشارك فيها العديد من زملائه في المستشفى وبعض الأطباء الآخرين، بعلاج المرضي غير القادرين قبل وخلال أيام عيد الأضحي، دون الحصول على أي مقابل، وذلك داخل عيادتهم الخاصة في بنها، غير أنهم في الأيام العادية حريصون أيضًا على الأمر ذاته عند الحالات الإنسانية.
ما أن ظهرت هذه المبادرة على موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك"، وحتى انتشرت سريعًا، ووجدنا العديد من الأطباء في بنها يعلنون المشاركة، وهو ما رأيته في كم الرسائل على صفحة الدكتور الطوانسي، الكل يتسابق لفعل الخير ومساعدة الفقراء مما لا يملكون ثمن تذكرة الكشف.
بعيدا عن أن المبادرة التي أطلقها مجموعة كبيرة من أطباء مستشفي بنها للتأمين الصحي، صارت منتشرة بقوة على صفحة الدكتور الطوانسي، لكنى فوجئت بكم الدكاترة الذين تسابقوا على المشاركة فيها وبدأوا يرحبون بشدة ويطرحون أفكار أخرى لاستمرار الفكرة.
وعلى سبيل الأمثلة وليس الحصر، فكان الدكتور محمد السيد شيح استشاري القلب والقسطرة، والذي يعد من أفضل الأطباء في مجاله، على رأس المنضمين للمبادرة من مستشفي بنها للتأمين الصحي، بالإضافة إلى د. مهني عبد الحميد ود. رامي عبد الله أخصائيين الأنف والأذن والحنجرة، ود.على عيسوي شابوب استشاري العلاج الطبيعي، ود.سارة زكي أخصائي أطفال، ود.أسامة العيسوي أستاذ جراحة العظام بجامعة بنها، وغيرهم الكثير والكثير.
ولمن لا يعرف الدكتور أحمد عبد الستار الطوانسي، فهو داخل مدينة بنها يعرفه القاصي والداني بطيبة قلبه وحبه للخير وتفوقه في مجاله حتى أصبح أحد أهم الجراحين في عمليات العظام والعمود الفقري، ورغم أننى تعرفت عليه منذ حوالي عامين فقط، لكن أشعر كأني أعرفه قبل ذلك بكثير بسبب القصص الإنسانية التي أسمعها عنها ليس لكونه طبيب وجراح مميز، وإنما لأنه يقدم يد العون دائمًا للمواطنين البسطاء والمرضي غير القادرين، فقد رأيت بعيني مدى محبة الناس والدعاء له، والذي يعد هو الاستثمار الحقيقي في مهنته.
هنا أؤكد أن ارتباط مصطلح "أصحاب القلوب الرحيمة" بالملف الصحي تحديدًا، يعود بطبيعة الحال، لكونه من أهم الأمور في حياتنا، وهو الأمر الذي دوما كنا ننادي بأن تهتم به الدولة، والتي تسارعت إلى هذا الأمر فعليا على أرض الواقع خلال آخر 10 سنوات بشكل غير مسبوق عما كنا نراه في أزمنة سابقة، إذ إننا يومًا بعد يوم نرى ثمار هذا الاهتمام على أرض الواقع، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مبادرة 100 مليون صحة وإنهاء قوائم الانتظار والتأمين الصحي الشامل لكل المواطنين، بالإضافة إلى العمل على تطوير جميع المستشفيات الحكومية ورفع كفاءتها من الأجهزة والأطباء والتمريض وخلافه.
ختامًا، ما يفعله الدكتور الطوانسي والأطباء المشاركين معه في هذه المبادرة، يؤكد أن الضمير الحي لا يموت ومهنة الطب فعلا من أهم المهن الإنسانية، كما أن مصر لا تخلو من هذه النماذج الاستثنائية فى تقديم الخير، لكننا لم نعرف الكثير منهم، إلا عن طريق صدف الخير الجميلة، فهؤلاء الأطباء هم من يستحقون التحية من القلب وتسليط الضوء عليهم.