إن خسارة شاعر أمر فادح يصيب الثقافة، ويهدم حائطا من بنيانها القوى، واليوم رحل الشاعر الكبير محمود قرنى (1961- 2023) وذلك بعد معاناة مع المرض، وهو واحد ممن يحفظون للقصيدة العربية "هويتها"، فهو يكتب قصيدة النثر، لكنه يكتبها بطريقة عربية (المبنى والمعنى) بعيدًا عن الغرب وثقافته الخاصة به.
والمعروف أن قصيدة النثر، ليست سهلة، كما أن الكثير من شعرائها خضعوا لتقاليدها الغربية، والتي ظنوا أنها تقاليد من قلب القصيدة، وهي ليست كذلك، هي تقاليد من الثقافة التي جاءت منها، لكنها طالما انتقلت إلى ثقافة أخرى فإنها يجب أن تكون ابنة الثقافة المنتقلة إليها، وقد أدرك محمود قرني ذلك.
ولو عدنا إلى توظيف التراث في أعماله الشعرية، نجد أنه يستحضر تراثا عربيا ومصريا، أي تراث المنطقة التي نشأ فيها والثقافة التي ينتمى إليها، وستشعر مع محمود قرني بأنه يكتب قصيدته الخاصة التي لم تقرأها من قبل عند أي من الشعراء.
جانب آخر عند محمود قرني يتعلق بكتبه الفكرية، ورؤيته للواقع الثقافي، وما يجرى فيه، وتعليقاته على الحالة الإنسانية التي وصلنا إليها.
ولي رجاء عند الهيئة المصرية العامة للكتاب أن تصدر لنا دواوين محمود قرني ضمن سلسلة الأعمال الكاملة، خاصة أن العديد من دواوينه صدرت عن الهيئة، وفى ذلك خدمة مهمة للثقافة العربية.