ربما تبقى الحالة التي يحظى بها يوم 3 يوليو استثنائية إلى حد كبير، باعتباره "يوم الخلاص"، بعد سنوات فقدت فيهم الدولة المصرية بوصلتها، جراء الفوضى العارمة التي سادت البلاد، ناهيك عن سيطرة حفنة من الانتهازيين على أمور العباد، لعام كامل، كان كفيلا ليدرك ملايين المصريين خطورة الوضع، والحاجة الملحة إلى التصحيح وإعادة المسار، فأصبح اليوم بمثابة إعلان انتصار الثورة المصرية، التي تهدف إلى تحقيق تغيير حقيقي وفعلي، من شأنه تحسين الأوضاع سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، وهي الأمور التي سارت عليها الدولة في السنوات التي تلت ذلك، سواء عبر مشروعات عملاقة أو مبادرات إنسانية، وضعت تحسين حياة المواطنين كأولوية قصوى، لا يمكن تجاوزها.
ولكن بعيدا عن إنجازات 3 يوليو، ونتائجه وتداعياته الإيجابية، التي تجاوزت لحظة البيان التاريخي الذي ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع في حينها، يتجسد الإنجاز الحقيقي الذي تحقق في ذلك اليوم، في حالة التوافق التي جمعت المصريين، حول قيادة "مؤسساتية" للمستقبل، بعيدا عن حالة البحث عن حالات "حنجورية" تحمل شعارات تتنافي مع الواقع، وهو ما يعكس إدراك الغالبية العظمى من الشعب للأخطاء التي سقط فيها المتظاهرين قبل ذلك بعامين، عندما سعوا إلى استيراد رموز "افتراضية"، اقتصرت رؤيتهم على الكيفية التي يمكنهم بها إدارة صفحاتهم على "السوشيال ميديا"، بينما أثبتت التجربة أنهم لا يفقهون شيئا عن إدارة الدولة، وهو ما أثار انقسامات كبيرة، بين صفوف من أسموا أنفسهم بـ"الثوار"، لتتحول الأمور إلى اتجاهات تبدو بعيدة تماما عما خرج من أجله المصريون في اللحظة الأولى.
والحديث عن قيادة "مؤسساتية" يمثل في جوهره أحد أهم أبعاد التحول الذي تحقق في 3 يوليو، حيث يعكس اختلافا كبيرا في النظرة التي سعى إلى تصديرها "دعاة" الفوضى، خلال سنوات الارتباك التي مرت بالبلاد بعد 2011، حيث قوضت النظرية التي روجها البعض حول "عداء المؤسسات"، في إطار مساعي سواء من الداخل أو الخارج لاستغلال لحظة التراجع التي نجمت عن "الربيع العربي" لتفكيك الدولة، وهو المخطط الذي امتد إلى العديد من دول المنطقة، وربما وضع بعضها على حافة الهاوية، لتتحول العيون نحو قيادات فردية، غير مؤهلة، سواء في صورة أشخاص "ملهمين" يرغبون في السلطة، أو جماعة لا تجد سبيلا نحو السيطرة إلا بإقصاء منافسيها سواء بالإبعاد أو التنكيل، أو القتل إذا لزم الأمر، على عكس المشهد في 30 يونيو، عندما كان النداء ليس موجها إلا للدولة ومؤسساتها لتعيد الأمور لزمامها الطبيعي.
وتكمن عبقرية المشهد في 3 يوليو، ليس فقط في الاستجابة إلى نداء جموع المصريين، المحتشدين في الميادين، في كافة محافظات "المحروسة"، والتي دارت حول إعادة البلاد إلى المسار الصحيح، وإسقاط نظام فاشل، عاث في الأرض فسادا لعام كامل، وإنما أيضا في حالة التناغم، بين النداء الموجه للدولة ومؤسساتها، في 30 يونيو، والاستجابة السريعة والمباشرة، فى حالة أشبه بـ"الاستفتاء"، الذي منح الشرعية للمؤسسة العسكرية، باعتبارها القوة الصلبة القادرة على مواجهة التحديات الصعبة المترتبة على تداعيات "العودة" للمسار، وفي القلب منها الإرهاب، ناهيك عن منح الثقة مجددا لكافة المؤسسات الأخرى المكونة للدولة، فكان البيان المشهود، ليس مجرد حزمة من القرارات، وإنما في واقع الأمر "خطاب" لقبول المسؤولية التي وضعها جحافل المتظاهرين على عاتق "المؤسسة"، لتتولى رسم خارطة الطريق، وقيادة الحرب على الإرهاب، ثم تتجه، بقوة دعم المصريين، مع المؤسسات الأخرى نحو عملية إصلاح شامل، تتسم بالاستدامة.
وهنا يمكننا القول بأن الفارق الجوهري بين 30 يونيو وغيرها من الأحداث التي شهدتها مصر قبل ذلك التاريخ، أو حتى ما شهدته الدول الأخرى، يتجلى في اختيار "القيادة" التي يمكنها العبور بالبلاد إلى بر الأمان، بعيدا عن أصحاب المصالح والساعين إلى السلطة، وهو الأمر الذي حقق نجاحا كبيرا، دفع العديد من الشعوب الأخرى إلى استلهامه، لإنقاذ ما تبقى لهم من فرصة للبقاء، بعدما أطاحت بهم الفوضى المدمرة لسنوات طويلة، أكلت معها الأخضر واليابس.