تُشير أخلاقيات العمل إلى مجموعة الممارسات التي تتأتى من قواعد وأصول وقيم مهنية ومعتقدات معينة تتسق مع الجانب الخلقي لدى الفرد وتحافظ على شرف المهنة وميثاقها، يتم الالتزام بها داخل بيئة العمل ومع المستفيدين؛ بغية إيجاد مناخ مؤسسي يقوم على الأمانة وحسن الخلق، واحترام الآخرين، والالتزام بمواعيد العمل، والولاء المؤسسي، والالتزام الوظيفي، والطاعة للرؤساء، وتجنب جميع أشكال الانحراف الوظيفي، والتعامل بإيجابية مع زملاء العمل.
وتنطلق أخلاقيات العمل من الجانب الوجداني لدى الفرد وما يمتلكه من معتقد يحض على ممارسة الخُلق القويم والرقابة الذاتية وحسن التعامل والنزاهة والاستقامة والقناعة والإتقان والتطلع لمستقبل واعد وفق فكر ابتكاري يستهدف التحسين والتطوير وتقديم الخدمات التي تُلبي تطلعات العمل وتفي باحتياجاته، ولا تنفك أخلاقيات العمل عن النسق القيمي للمجتمع وبالطبع من ثقافته العامة، وتعضد الأسرة السلوك القويم لدى الفرد ليصبح مواطنًا صالحًا في شتى تعاملاته العملية والحياتية، ومن ثم يقدر طبيعة العمل وينجز ما يُوكل إليه من مهام، ويستلهم القدوة من خلال النماذج التي تحقق الريادة في أماكن ومجالات العمل المختلفة.
وتنبثق أخلاقيات العمل من معايير متداخلة؛ حيث يُعد المعيار الأخلاقي المرجع القيمي الذي يحدد الصواب من الخطأ، ويأتي المعيار الذاتي مكملًا لتحديد الرغبة مقترنة بالسلوك لدى الفرد يترجمه في تعاملاته مع الآخرين، ويرتبط بذلك المعيار الطبيعي الذي يتحدد من خلاله الخير المرتقب تحققه بصورة عادلة لجميع المستفيدين من الخدمات المقدمة، ويقترن بجميع ما تقدم من معايير المعيار القانوني الذي يتسم بالمرونة في تناول المعاملات والموضوعية التي لا تُشكل الضرر المجتمعي؛ حيث التزمت في الأقوال والأفعال بما يؤدي لضعف الرضا تجاه ما يقدم من خدمات لدى الفئة المستهدفة.
ويُنظر لأخلاقيات العمل الوطني على أنها عملية تقوم على فن وعلم يحفظ العلاقات بين الأفراد والمؤسسات ومن ثم المجتمع لتصبح علاقات إيجابية ومتناغمة، تقوم على مصلحة الوطن العليا، وتعلي من قدر المحاسبية والمسئولية وتعترف بالحقوق والواجبات، وتستهدف رضا الجميع من عاملين ومستفيدين بما يتسق مع القانون العام للمؤسسة؛ لذلك أضحت أخلاقيات العمل وعاء للسلوكيات الإيجابية يحدد للفرد ما هو صواب وما هو خطأ في ضوء معايير تتسم بالشفافية والعدالة.
وفي ضوء ماهية أخلاقيات العمل الوطني نجد أنها تُشكل الإطار المرجعي الذي يلتزم به كل من يؤدي عملًا أو مهنة بعينها، وفي حال خروجه عن هذا الإطار المعلن يعد مخالفًا أو مخلًا للسلوك المؤسسي؛ لذا باتت الأخلاقيات بمثابة السياج الذي يحمي الفرد والمؤسسة والمجتمع، وتساعد في أن يمارس الفرد سلوكًا ينسجم ويتماشى مع النسق المجتمعي العام ويؤدي إلى تحقيق الأهداف بالصورة المرتقبة التي ترضي جميع الأطراف، وتدعم آليات التطوير والنهضة المؤسسية بشكل إجرائي.
وثمت إيجابيات تتمخض عن ممارسة أخلاقيات العمل الوطني؛ إذ تعد من أساسيات النجاح؛ حيث تعكس ثقة المؤسسة بموظفيها وأجهزتها، ومن ثم تكسب المؤسسة ثقة المجتمع الذي ينال الخدمة المقدمة منها، وتؤدي إلى تطوير معدلات العاملين بالمؤسسة بصورة مستمرة، وفي المقابل يعد البُعد عن أخلاقيات العمل الوطني مهددًا مباشرًا لمستقبل الفرد والمؤسسة على السواء من ناحية الاستمرارية أو البقاء؛ فقد تُشرع سبل الفساد وطرائقه المتعددة لنيل الحقوق، ومن ثم تصبح سمعة المؤسسة غير جيدة، بما ينتج عنه سوء الخدمة المقدمة وتفكك العلاقات وتفاقم المشكلات بين العاملين والمستفيدين، وصولًا لتدني مستوى الرضا العام.
وتتطلب أخلاقيات العمل الوطني ضرورة أن يمتلك الفرد رقابة ذاتية تجعله يسعى تجاه الأداء الراقي في إنجاز عمله ويدرك ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وأن يمتلك مخططًا تنمويًا لتطوير أدائه وتحسين مخرجات العمل، ومن ثم يشعر بالرضا والسعادة، وهذا لا يغفل بحال دور الأجهزة الرقابية داخل المؤسسات التي تساعد في تصحيح المسار، والقضاء على مداخل الفساد وآلياته المبتدعة، بالإضافة إلى قناعة الفرد بضرورة التقويم المستمر الذي يُسهم في التحسين ويفتح مسارات التطوير والابتكار في العمل، ويحقق الغايات، ويتطلع لمزيد من الإنجازات التي تنعكس على الفرد والمجتمع.
ومن موجبات الاهتمام بأخلاقيات العمل الوطني إصلاح المكون الفكري لدى الفرد؛ ليصبح على قناعة تامة بأن تقديم المصلحة العامة أولى من المصلحة الشخصية، وهذا يتطلب امتلاك مقدرة على اتخاذ قرار تحكمه النزاهة المطلقة المتمثلة في احترام اللوائح المنظمة للعمل والتي لا تجيز الإضرار بالصالح العام بغض النظر عن الأسباب أو الدواعي سواء شخصية أم تحكمها علاقات بالآخرين كصداقات أو تبادل منفعة أو غير ذلك من الأمور التي تساعد في حيود الفرد عن المسار الصحيح.
وجدير بالذكر أن أخلاقيات العمل الوطني ترتبط بامتلاك الفرد لمقومات الاستقامة؛ حيث حفاظه على أسرار العمل والعملاء، والالتزام بالموضوعية والحياد حال التعرض لمؤثرات داخل العمل أو خارجه، وهنا يتوجب الاستقلال الفكري القائم على المسئولية واحترام القوانين، وبالطبع لا ينصرف هذا عن العدالة والمصداقية والشفافية والعفة والنزاهة المطلقة التي يمتلكها الفرد أثناء القيام بواجباته المهنية وتعاملاته داخل المؤسسة أو خارجها، بالإضافة إلى توافر الثقة في إنجاز ما يوكل للفرد من مهام وفق المعايير المؤسسية لمخرجات العمل، والتي يدركها جيدًا ويترجمها في سلوكياته.
وهناك عناصر رئيسة تقوم عليها أخلاقيات العمل الوطني تبدأ باحترام النسق القيمي للمجتمع ومن ثم عاداته وتقاليده، واحترام التعليمات وفق التعليمات الواردة بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل بالمؤسسة، مع الأخذ في الاعتبار المرونة عند الطوارئ، وتعضيد قيم المساواة التي تقضي على المحسوبية والقبلية والتحيز، وتزيد من الدافعية نحو العمل والإنتاجية، واحترام الوقت وفق الجدول الزمني المخصص لأداء المهام أو الأعمال، أو التقيد بمواعيد العمل من حيث الحضور والانصراف، وفق العقد المبرم مع المؤسسة، لضمان استثمار الجهود والطاقات وتحقيق غايات المؤسسة دون الإضرار بالمصالح على مستوى الفرد والمجتمع.
وترتبط أخلاقيات العمل الوطني بما يمتلكه الفرد من مهارات نوعية؛ حيث تمكنه من الأداء بمستوى يتسم بالسرعة والإتقان وفق إجراءات العمل المعلومة، والابتعاد عن المعوقات والممارسات التي تحد من إنجاز الأعمال ولا تتسق مع المعايير التي تقرها المؤسسة، وهذا يرتبط بامتلاك الفرد أيضًا لمقومات الصبر والانضباط والمقدرة على التحمل والتعامل الحسن مع الآخرين برغم ما يواجهه من ضغوط، والتعاون المثمر لإنجاز الأعمال، بالإضافة للاتزان الانفعالي، الذي يمكن الفرد من التأدب والحكمة في التعامل.
وهناك الكثير من الفوائد التي تنالها المؤسسة إزاء التزام أفرادها بأخلاقيات العمل الوطني؛ حيث ذيوع المناخ الآمن الداعم للأداء الخالي من الظلم والفساد بكل أنماطه، والتميز في جودة الأعمال وضمان تحقيق أهداف المؤسسة والرضا المتبادل بين جميع الأطراف، كما تزداد التنافسية نتيجة لحماس العاملين من جهة، وإقبال العملاء على الخدمة من جهة أخرى، وتعالي مستوى الابتكار والطموح.
إن الاهتمام بأخلاقيات العمل الوطني بات ضرورة لا مناص عنها؛ إذ ينبغي تعضيد المفاهيم في نفوس العاملين، وإرساء المبادئ الوطنية والانتماء والولاء التي تزيد من إشاعة المناخ الداعم للعمل، والتدريب المستمر والمقصود على تنمية تلك الأخلاقيات، ومن ثم يصل الفرد والمجتمع قاطبة لمستوى جودة الحياة، وقيادتنا السياسية الرشيدة مثالًا يحتذى بها في تجسيد أخلاقيات العمل الوطني.
حفظ الله بلادنا من كل مكوره وسوء ووفق قيادتنا السياسية لما فيه الخير والرشاد.