الليل والسهر بينها علاقة من نوع خاص جدا، فتعبر علاقتهما عن صلة وثيقة ولكنها مختلفة بعض الشيء؛ فلا يوجد سهر بدون ليل، ولكن عادة، يوجد ليل بدون سهر. غالبية البشر يعشقون السهر ولكن المحظوظ منهم من يختار السهر برغبته وإرادته، والتعيس من البشر من يختاره السهر ليحل عليه كضيف ثقيل وسخيف وربما لا يمكن التخلص من ضيافته.
ربما تكون علاقة الليل والسهر واضحة بعض الشيء، لدى الغالبية، ولكن ربما تتساءل في قرارة نفسك الآن -صديقي القارئ- ما علاقة الصوت بالليل والسهر؟
في بداية الأمر أحب أن أوضح لك صديقي القارئ أني أتحدث عن الصوت البشري أي صوتك الطبيعي الذي تستخدمه في الكلام يوميا، والذي يعد من أعظم النعم التي أنعم الله عليها على بني البشر. لأنه ربما يتخيل البعض، عند قراءة العنوان أو المقدمة، أني أتحدث عن نوعية أخرى من الأصوات مثل أصوات الرعب التي يتخيلها البعض في الظلام عند مشاهدة فيلم مرعب مثلا، وربما يعتقد البعض أني أتحدث عن أصوات أخر الليل الصادرة عن الجيران أو الناتجة عن الشخير أثناء النوم مثلا، لذلك وجب التنويه لتوضيح الأمر.
صديقي القارئ، السهر في الليل يتطلب نوعية صوت مختلفة عن الصوت الذي تستخدمه أو تسمعه على مدار يومك، لأن بإمكانية الصوت البشري المساعدة في الحصول على نوم هادئ وآمن وعميق. ويمكن أن يكون هذا الصوت البشري هو صوتك أنت أو صوت شخص أخر تستمع إليه، وهذا ما يطلق عليه "صوت أخر الليل" أو باللغة الإنجليزية The Late Night Voice.
كل إنسان لديه طبقة صوت مريحة بالنسبة له أثناء التحدث والتي ربما تكون طبقة عالية أو منخفضة ولكنه اعتاد عليها وعلى استخدامها طوال الوقت، بينما في حقيقة الأمر كل إنسان لديه 7 طبقات من الصوت داخل صوته؛ بالإضافة لطبقة الصوت المستعار (Falsetto Voice)، ولكنه لا يدرك كل هذه الطبقات المختلفة إلا بالتدريب الصوتي أو إذا كان يتدرب على الغناء مثلا. ولكي نبسط المسألة، كل إنسان لديه على الأقل طبقتين صوتيتين أساسيتين هما: الجواب (Head Voice) والقرار (Chest Voice). الجواب هو أعلى طبقة صوتية يمكن أن يتحدث منها الإنسان، والقرار هو أعمق طبقة صوتية يمكن أن يتحدث منها ذات الإنسان، وبينهما يوجد خمس طبقات أخرى يمكن للإنسان التحدث منها لكي يتميز صوته بالتنوع الصوتي والأداء الصوتي المختلف والمناسب لكل موقف. كل ذلك بالإضافة لطبقة الصوت المستعار والتي تعد أعلى من طبقة الجواب ويستخدمه كثير من المغنين الأجانب في الغناء، ويستخدمها أيضا مؤديين الأصوات في الدوبلاج والمسلسلات الكارتونية. ولكن لا يدرك هذه الطبقات كل البشر، وفي الحقيقة، الأمر ليس باليسير على الإطلاق ويحتاج إلى تدريب مستمر لإدراك كل طبقة صوتية وتعلم كيفية التحكم في خروجها واستخدامها في التحدث أو في الغناء أو في التعليق الصوتي، إلخ.
عودة إلى طبقة صوت أخر الليل، من الناحية الصوتية، تتميز طبقة صوت أخر الليل بهدوئها وعذوبتها ووضوحها أيضا، وهذا لأنك لا تبذل مجهود كبير وأنت تتحدث بهذه الطبقة، لأنك غالبا ستكون مستلقي على فراشك أو على أريكتك المفضلة، مما يجعلك تتنفس بهدوء وبعمق، فيكون صوتك أعمق وأبطئ.
وفي تفسيري الشخصي، طبقة صوت أخر الليل هي أقرب لحالة من مجرد كونها طبقة صوتيه، لأن طبقة صوت أخر الليل هي حالة صوتية معينة يعيشها الإنسان، حالة من الصفاء الذهني والعقلي والنفسي والجسدي أيضا. وكما وضحنا أن طبقة صوت أخر الليل يمكن أن تتحدث بها أنت أو تستمع إليها من شخص أخر، وفي الحالتين بالتأكيد سينعكس عليك تأثيرها الهادئ العذب. ويحدث هذا غالبا مساءا عند التحدث مع شخص قريب إلى قلبك أو عند الاستماع إلى الفيديوهات التي تساعد على النوم (ASMR).
ومن الفوائد الهامة لطبقة صوت أخر الليل أنها تمكنك من النوم بعمق، حيث أن هذه الحالة الهادئة الناعمة التي تضعك بها خامة صوت أخر الليل تؤثر بشكل مباشر على جودة نومك ومدى عمقه. فكلما كان نومك مستمر وتصل فيه إلى مرحلة النوم العميق، كلما كان صوتك أوضح في النهار. في عام 2017 تم عمل دراسة على العلاقة بين جودة النوم وتأثيرها على طبيعة الصوت، وكانت الدراسة في جامعة سان باولو في البرازيل وتم تطبيقها على حولي 800 شخص من الرجال والنساء من أعمار مختلفة. وأثبتت الدراسة أن جودة النوم تؤثر بشكل مباشر على طبيعة الصوت البشري، بمعنى أنه كلما كان نومك مضطرب وغير كافي من حيث عدد الساعات المتواصلة التي تنامها في الليل، سيؤثر هذا بالطبع على جودة وطبيعة صوتك وأدائك الصوتي أثناء التحدث في النهار.
وهنا تأتي عدة تساؤلات: كيف أن نستخرج طبقة صوت أخر الليل ونتحدث بها؟ وهل يمكن أن نتحدث بها لأنفسنا لكي نهدئ؟ وهل طبقة صوت أخر الليل هي خامة شتوية؟ وهل يوجد بالفعل خامة صوت شتوية وخامة صوت صيفية؟
صديقي القارئ، فكر في كل هذه التساؤلات، وربما يتكون لديك غيرها، والتي سأجيب لك عليها -بإذن الله تعالى- في المقال القادم.