من منّا لم يتساءل، أين مصر من القارة الأفريقية؟ ولماذا تراجعت الريادة المصرية في القارة السمراء؟.. وهل نجحت القاهرة في عهد السيسى في استعادة عمقها الاستراتيجي بأفريقيا؟ وأين مصر من التنافس الدولى والإقليمى على أفريقيا؟.. كل هذه التساؤلات وأكثر يمكن الجزم الآن، بأن مصر بالفعل قد خطت خطوات جذرية في سياق إعادة ضبط المسافات والعلاقات من القاهرة إلى غالبية أو كل العواصم الإفريقية، والمؤكد أن الفضل الأكبر في هذا الإطار يرجع إلى الرئيس السيسي والذي أعادة تقييم المشهد من جديد مما يخدم المصالح المصرية والقارة الأفريقية بشكل عام، بل العزم على الوصول إلى أعقد النقاط المتشابكة في القارة وتحقيق معادلة الرقم الصعب وذلك من خلال البحث عن مصالح مصر وإعادة ريادتها ومصالح القارة والدفاع عن حقوقها في آن واحد في ظل عالم يشهد اضطرابات سياسية واقتصادية وأمنية أكثر من أي وقت مضى.
وهذا ليس بكلام، إنما واقعا أصبحت مصر هي صوت أفريقيا في كافة المحافل الدولية، فهى المطالبة دوما وباستمرار بحقوق القارة خاصة في قضايا الأضرار المناخية وتحديات الأمن الغذائي وملف الإرهاب والنزاعات المسلحة، غير سعيها إلى إحداث تكامل قارى وإقليمى على كافة المستويات، سياسيا واقتصاديا وقاريا، وذلك باحتضان مؤتمرات إفريقية عدة على أراضيها، خلاف المؤتمرات القارية والدولية، وكل ذلك في سياق رؤية مصر على أساس برنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وبرنامج الأمم المتحدة 2030.
لذلك، أدرك العالم، أن مصر قد تحولت مجددا إلى رقم صعب في القارة الإفريقية، خاصة أن إفريقيا اليوم تكاد تتحول إلى ساحة أممية للتنازع بين القوى الإقليمية والقوى الدولية الكبرى، أي الجهات التي تنظر إلى القارة بمثابة فرصة غنية بالموارد الطبيعية من جهة، أو تتعامل معها كفرص استثمارية واعدة من جهة أخرى.
وأدركت مصر أيضا ضرورة العودة إلى القارة، لذا، حرصت على مشاركة عدد من التجمعات الاقتصادية، الممثلة للمناطق الجغرافية المختلفة في القارة، مثل "الإيكواس" و "الكوميسا" و "الساديك"، بالإضافة إلى تجمع "النيباد" وكذلك المشاركة في القمم الأفريقية المختلفة، والتي كان آخرها القمة التنسيقية للاتحاد الأفريقي التي انعقدت أمس.
ورسالة مصر دائما تحث على الأمن والسلام والتكامل والتنمية، فهى الداعية دائما إلى ضرورة مواجهة الإرهاب وعارضة خبراتها على الجميع بشأن هذا الملف، والداعية دائما إلى التكامل الاقتصادى والقارى والإقليمى ودائما ما تستغل أي فرصة لعرض برامجها التنموية ومد يد العون إلى الجميع للاستفادة من هذه البرامج، وهى الداعية دائما والحريصة على إقامة منطقة التجارة الإفريقية القارية الحرة، ومطالبتها المستمرة بضرورة تسريع وتيرة الاندماج القاري، وصولا إلى السوق الإفريقية المشتركة، بل قررت أن تكون صوت القارة فهى المدافعة دوما عن حقوق القارة بشأن التغيرات المناخية، والبحث عن تحقيق تكامل قارى فيما يخص الاقتصاد الأزرق والبنية التحتية.
نهاية.. مصر تعود إلى عمقها الاستراتيجي في أفريقيا بكل قوة، وتذكرنا بمصر عبد الناصر، وذلك بفضل جهود القيادة السياسية ومن ورائها كتيبة الدبلوماسية المصرية وأجهزة ومؤسسات الدولة، وهذا لم يأت من فراغ إنما بفضل النجاح في تبنى علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول مع إعطاء أولوية للانتماء الإقليمي، إفريقيا وعربيا".