تسببت التدخلات الخارجية في الدول العربية خلال السنوات الماضية في تعزيز الانقسام بين المكونات والأطراف المحلية في المنطقة، ما أدى لحالة من الصراع العسكري والاستقطاب السياسي الذي أدى لزعزعة السلم والاستقرار في عدد من البلدان التي عانت من التدخل الخارجي.
تعد الدولة السودانية آخر حلقات التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول حيث أدى ذلك لحالة استقطاب وصراع عسكري بين قوات الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع المدعومة من الخارج والتي تسعى لفرض واقع سياسي وعسكري جديد داخل السودان، وهو ما ترفض القوات المسلحة السودانية التي ترفض الأجندات الخارجية التخريبية التي تقودها قوات الدعم السريع.
عانت الدولة السودانية خلال السنوات الماضية وتحديدا عقب نجاح ثورة ديسمبر من التدخلات الخارجية التي حاولت فرض أجندة خارجية تخدم مصالح هذه الدول بعيدا عن مصلحة السودان الوطنية، ما أدى لتعزيز الانقسام بين الفرقاء السودانيين وتعزيز الانقسام السياسي الذي كان سببا رئيسيا في النزاع المسلح.
انتهاك السيادة الليبية
لا يختلف الوضع في السودان كثيرا عن الوضع الراهن في ليبيا نتيجة التدخلات الخارجية سواء سياسيا أو عسكريا حيث تعاني الدولة الليبية من وجود مرتزقة ومقاتلين أجانب وقوات أجنبية دخلت إلى البلاد نتيجة حالة الاستقطاب السياسي والعسكري ورغم صدور عدد من القرارات الأممية ومنها 2570 و 2571 إلا أن الأمم المتحدة عاجزة عن تفعيل هذه القرارات.
وعقب أحداث 17 فبراير 2011 في ليبيا عانت البلاد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تلقت تمويلات خارجية من أجل فرض واقع جديد في ليبيا التي عانت من حكم الفرد لمدة أربعة عقود متواصلة، وتسببت التدخلات الخارجية في تدمير قدرات الجيش الليبي والبنية التحتية في البلاد بسبب العمليات العسكرية التي قادها حلف "الناتو" عقب أحداث 2011 لإسقاط حكم معمر القذافي.
ورغم مطالبة السلطات الليبية من الدول المتداخلة بضرورة سحب مقاتليها ومرتزقتها من البلاد إلى أن الدول الخارجية ترفض الانسحاب عسكريا من ليبيا إلا بعد تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة داخل البلاد، ويعد الصراع الاقتصادي على كعكة النفط والغاز أحد أبرز محاور الصراع الراهن بين القوى الإقليمية والدولية.
وتسعى اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" لإخراج القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد لأنهم يعرقلون أي تحركات لتوحيد المؤسسة العسكرية أو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد، فضلا عن صراعاتهم التي لا تنتهي ومحاولاتهم الجارية لاستقطاب عناصر ومرتزقة أفارقة لإدخالهم إلى ليبيا.
سوريا
عانت سوريا خلال العقد الأخير من التدخلات الخارجية المباشرة والتي تركزت على المستويين السياسي والعسكري من خلال دعم خارجي لمقاتلين ومسلحين محليين يقفون إلى جانب من يدعمهم بالمال والسلاح، وهو ما تسبب في مقتل عشرات آلاف المواطنين السوريين في الصراع المسلح الذي استمر لسنوات طويلة.
حاولت الدول العربية الدفع قدما نحو تفعيل الحل السياسي والسلمي للأزمة السورية على أساس القرارات الأممية ولعل أبرزها القرار 2254، والعمل بشكل جدي على تفعيل المفاوضات بين المكونات السورية بعيدا عن التدخلات الخارجية التي أفشلت كافة المسارات التي عملت الأمم المتحدة على تفعيلها بدعم من الدول العربية.
وتكبدت سوريا خسائر تقدر بحوالي 900 مليار دولار نتيجة الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية وتعاني دمشق من حصار مالي غربي يفرض عدد من الشروط للسماح بعملية إعادة اعمار سوريا المدمرة، وهو ما يغضب عددا من الدول العربية التي تري في التدخلات الخارجية سببا في تأجيج النزاع المسلح بين أبناء الشعب السوري، وهو ما دفع الدول العربية للتأكيد على ضرورة التزام حكومة دمشق بالتوصل لتسوية سياسية للأزمة خلال الفترة المقبلة مقابل تحرك الدول العربية نحو تحقيق تقارب أكبر وشراكات استراتيجية موسعة مع حكومة دمشق.
يذكر أن التدخلات الخارجية قد وصلت إلى ذروتها بالمنطقة العربية خلال الألفية الثانية بغزو الولايات المتحدة الأمريكية لدولة العراق في عام 2003 تحت ادعاءات وجود أسلحة دمار شامل يتم إنتاجها وتخزينها من قبل الحكومة العراقية وهو ما ثبت عدم صحته لاحقا.
حل الجيش العراقي
وكلف الغزو الأمريكي للعراق ما يقرب من 2.89 تريليون دولار خلال سنوات الغزو وآلاف الضحايا من الأمريكيين، فضلا عن ضحايا وقتلى من العراقيين تخطى عددهم ربع مليون شخص أغلبهم من المدنيين، بالإضافة لاتخاذ الغزاة لقرارات أضرت كثيرا بالدولة العراقية ولعل أبرزها حل الجيش العراقي.
تحتاج دولنا العربية إلى استراتيجية واضحة ومحددة لوقف التدخلات الخارجية في المنطقة سواء في ليبيا او سوريا او العراق أو لبنان وباقي الدول التي تعاني من هذه التدخلات، والأهم هو ضرورة العمل على دعم المؤسسات الوطنية في الدول العربية وفي مقدمتها الجيوش الوطنية التي تستطيع وحدها التصدي لأي تدخلات وأطماع خارجية في ثروات ومقدرات شعوبنا.