ربما كانت مفارقة أن تأتي ثورة يونيو، قبل أسابيع قليلة من ذكرى ثورة يوليو، تحمل بعدا رمزيا، استطاعت من خلاله أن تتجاوز فارقا زمنيا يزيد عن الـ60 عاما، بينما يعكس حقيقة مفادها أن ثمة قدرة غير عادية لدى المصريين على استحضار "روح" الثورة" الأولى، بينما كانوا في الميادين، حينما حملوا صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، جنبا إلى جنب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع وقتذاك، في إشارة صريحة إلى الثقة الكبيرة في المؤسسة العسكرية، وقدرتها على العبور بالوطن إلى بر الأمان، مهما بلغت التحديات، وتفاقمت الظروف، فكانت شعارات "يوليو" حاضرة في ميادين "يونيو"، بينما كانت "العناوين" التي تصدرت المشهد، تحمل نفس الألفاظ، التي حملتها بيانات "الضباط" الأحرار قبل ستة عقود كاملة.
فبين "استعادة الوطن"، مرورا بـ"الاستقلال التام"، وحتى "الدين لله والوطن للجميع".. نجد أن ثمة العديد من المقاربات، التي لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، عند تأمل المشهد المصري بين "ثورتين"، ترجمتها الشعارات التي رفعها المواطنون، فمعركة المصريين كانت ضد مغتصب، والهدف كان تحقيق الاستقلال واستعادة الوطن، بينما كانت الوحدة سلاح الجميع، لتحقيق طموحات شعب بأكمله، عانى الأمرين، جراء انتهاك حقوقه، والتمييز بين عناصره، في إطار طبقي، اقتصرت فيها الأراضي والأملاك على فئة بعينها، كما كان الحال قبل "يوليو"، أو أخر يبدو "قبليا" أرسته جماعة حكمت في غفلة من الزمن، فأضفت المزايا على أعضائها، بل واعتبرتهم "الملاك" الحصريين للدين والدنيا، بينما يبقى كل من يحمل فكرا مخالفا، في قائمة "الخوارج".
ولكن بعيدا عن الشعارات، تبقى المقاربات بين الثورتين، ممتدة إلى النتائج، فإذا كانت حركة "الضباط الأحرار"، التي باركها الشعب المصري قبل أكثر من 7 عقود، وضعت على عاتقها تحقيق الاستقلال من المستعمر البريطاني، فإن ملايين المصريين الذين خرجوا في الميادين في يونيو 2013، قد ثاروا على الجماعة، والتي تمثل آخر "فلول" الاحتلال، والذي ساهم في تأسيسها، في عام 1928 ودعمها لسنوات لتكون "شوكة" في ظهر الوطن، وهو ما يعكس امتداد الهدف، بينما ارتكز كلاهما على العملية التنموية عبر المشروعات العملاقة، والتي تناسبت مع كل حقبة، على غرار "السد العالي"، الذي كان يمثل طفرة في إنتاج الكهرباء آنذاك، بينما اعتمدت "الجمهورية الجديدة" مشروعات حديثة، ترفع لواء الطاقة النظيفة، وأبرزها "مجمع بنبان"، للمفارقة كلاهما في أسوان، ناهيك عن مئات المشروعات الأخرى في مختلف أنحاء المحروسة، من شأنها تحقيق التنمية المستدامة.
وفى الواقع، تبدو الثورتان متكاملتان في أهدافهما ونتائجهما، فـ"يوليو" أسست "الجمهورية"، عبر إلغاء "الملكية"، بينما عكفت "يونيو" على تعزيزها، عبر تجديدها، بل وكان تأميم قناة السويس، أحد أولويات الأولى، في حين كان مشروع تدشين القناة الجديدة، أولى إنجازات الثانية، وهو ما يعكس أن ثمة حالة من "التكامل بين ثورتين"، تمثل رغبة ملحة في البناء على ما سبق، وليس تقويضه، وهو ما يمثل الخط الذي سارت عليه "الجمهورية الجديدة"، والتي اعتمدت منهجا يقوم في الأساس على استثمار ما تحقق، في إطار تنموي واقتصادي وسياسي، وحتى فيما يتعلق بالعلاقات الدولية بين مصر ومحيطها العالمي، بعيدا عن سياسات الهدم، والتي تستلزم العودة إلى "المربع الأول".
المشهد المتكامل بين "يوليو" و"يونيو"، يمتد إلى العديد من المشاهد، والتي ارتبطت بالظروف المحيطة بكلا منهما، بالإضافة إلى إنجازاتهما ونتائجهما، مما يعكس حقيقة مفادها أن "جينات" المصريين لا تتغير بمرور الزمن، بل على العكس، تبقى رؤيتهم واحدة، بينما لتؤكد في الوقت نفسه أن أهداف "يونيو" لا تتعارض مع روح "يوليو"، بل أنها في واقع الأمر تمثل إحياء لها، وهو ما يبدو في ملايين المبادرات التي اعتمدتها الدولة المصرية، والتي تهدف في الأساس إلى حماية حقوق المواطنين، واسترداد كرامتهم، وتحقيق طموحاتهم في "حياة كريمة"، بينما استخدمت أدواتها المتاحة لتحقيق هذا الهدف، عبر تحديثها لتلائم روح العصر.
وهنا يمكننا القول بأن الاحتفال بثورة "يوليو" يمثل في واقع الأمر إحياءً ليس فقط لذكرى عطرة على قلوب المصريين جميعا، وإنما في واقع الأمر هي مناسبة لاستدعاء ذكريات الماضي، بصورته القديمة نسبيا، والأكثر حداثة في يونيو، في انعكاس للارتباط الكبير بينهما، ليس فقط على مستوى التقارب بين الشهور، وإنما في الأحداث والظروف التاريخية، لتكون الثورتان دليلا متكاملا على إرادة هذا الشعب وصلابته وقدرته على تحمل الصعاب، وفي الوقت نفسه الصمود في وجه الظلم، ومواجهته بالقوة المطلوبة.