جميلة أجواء النجاح، مريرة رائحة الإخفاق، ونحن على الحالين، ننجح حينا ونخفق حينا، هذه شريعة الدنيا الواسعة المتشابكة المعقدة، وطبيعى أن يرى الواحد نفسه فى لحظة ما، وكأنه ملك الدنيا كلها بيمينه، وطبيعى أيضا أن ينظر إلى نفسه فى لحظة ضعف وكأنه «لا شىء»، هى رحلة نقطعها مجبرين، وبأيدينا أن نجعل الشاق رفيقا، وبأيدينا أيضا أن نتحالف مع البهجة فنراها حتى فى أحلك اللحظات.
نعم، بأيدينا نلون الحياة، ودوام الحال من المحال، والدنيا، كما قال الشاعر المتأمل جمال فتحى، أكبر من عنينا الضيقة، فافتح عينك على قدر ما تستطيع، و«على قدر أهل العزم تأتى العزائم».
فى كل عام فى مثل هذا التوقيت تظهر نتائج امتحانات الثانوية العامة، بعض الشباب تجرعوا أمس مرارة الإخفاق، وبعضهم انتشى بنبيذ النجاح، بعضهم ظن أن العالم انتهى بإخفاقه، وبعضهم ظن أن الرحلة انتهت، وأنه بلغ المنتهى، والاثنان على خطأ، فالدنيا مستمرة، ونحن فى جهاد عميق وممتد، وليس هناك من بر وصول حقيقى سوى فى الرضا فحسب.
لا أقصد هنا أن أواسى من أخفق، ولا أن أعكر صفو نجاح من نجح، لكنى أريد فحسب أن أؤكد على أن العالم لم ينته أمس الأول، وأن الحياة مازالت مستمرة بكل تفاصيلها ومشاحناتها، فكم من «فاشل» استطاع القفز من كبوته فأبهر العالم بإنجازه، وكم من «ناجح» استسلم لنشوة النجاح، فكانت أول وآخر عهده بالنشوة.
لا أريد هنا أن أبدو مثل الحكيم الذى يجلس على أريكته ملقيا نصائحه، فما أقوله لك ليس «نصائح» بقدر ما هو «تجارب» فاتبع حدسك، وثق فى قدرتك، واجتهد فى رسم أحلامك، وآمن بأن الله خلق العالم فى ستة أيام وليس فى يوم واحد، ولا تتبع الوصفات الجاهزة، فربما ما يناسب غيرك لا يناسبك، وربما تختار أنت طريقا حددته بنفسك، فتصبح أنت رائده الأول ومكتشفه الوحيد، فتتفوق على ذاتك وعلى الآخرين فى آن.
أنت الآن على عتبة العالم، فافعل ما يحلو لك، دعك من كل ما يقوله الآخرون عن مستقبلك، واعلم أن هذا المستقبل هو ملكية خاصة لواحد فقط هو أنت، فليس هناك شكل واحد للنجاح، وليس هناك مجال محدد مكتوب على بوابته «إن النجاح مضمون» ففى كل مجال هناك مكان للمتميزين، وهناك أيضا مكان للفاشلين، فاحجز مقعدك فى المستقبل متسلحا بالحلم والعمل والبحث والصدق مع ذاتك قبل أى شىء، فأى شىء لا صادق مصيره الفشل، فاحفر اسمك على مقاعد الصادقين، تنل جائزة الرضا الكبرى.