تمر الشهور على اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وبكل مجريات المعارك الدائرة الآن على الأرض، وبين شد و جذب، وتداخلات في كافة المسارات بشكل غير تقليدي على الإطلاق، مما يجعل الأزمة الدائرة الآن من أخطر القضايا التي يشهدها العالم على مدار أكثر من قرن تقريبا، فالحرب دائرة بكل الأدوات التقليدية وغير التقليدية، وسط إعلان أطراف مسئوليتها ومشاركتها في سياق عام، دون أن تعلن مشاركتها ومسئوليتها في تفاصيل أخرى.
وتسير معارك الدبلوماسية سيرا مع معارك العسكرية بكل أشكالها، وفي وسط هذا الزخم والتضارب والتشويش في كل شيء تقريبا، وبين مليارات الدولارات المتدفقة على كافة الأطراف، إلا أن هناك ثباتا ظاهرا يعلو وجوه قيادات المعركة في الجانبين، مما يجعل فضيلة الصبر من أعظم فضائل تلك الحرب على الإطلاق، فالكل يصبر على الكل، وهو ينازع الكل في مواقعهم، وتلك المنازعة يسقط خلالها قتلى وضحايا ومعدات، لكن يبقى الجميع مبتسما وصابرا في انتظار ما تسفر عن الأيام، وفيما يظهر أن كل شيء يسير في خطة ممنهجة، إلا أن تلك الخطة متغيرة ومتطورة على مدار الساعة بل على مدار كل لحظة فيها، حيث يذهب واضعوها إلى منهجيات ومسارات وسياقات تختلف كليا عن مسارات كانت لحظة النهاية فيها وشيكة، لدرجة تدفعك دفعا للسؤال حول كيف أدار هؤلاء معركة لأكثر من سنة ونصف تقريبا، دون أن تشعر بأن هناك خللا فجا في مسار الحرب.
ونحن هنا لا نتحدث في تفاصيل الحرب، أو في مناصرة طرفا على الآخر، فالمعلومات المشوشة تملأ المشهد، والتضاربات في السياسة والسلاح والاقتصاد مستمر بلا هوادة، بل نتحدث هنا في فضيلة إدارة المعارك في حال اتخاذ القرار، فالسير بقوة لتنفيذ القرار، أفضل من التراجع فيه حتى لو ظن البعض صحة الرجوع، والشاهد الرئيسى في تفاصيل ما يجرى بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا، هو فكرة النظام والتخطيط في إدارة المعركة، دون الوقوع تحت ذرائع الحقوق والواجبات و الرأي العالمى والرأي العام، بحيث يكون دافع التحرك هو النظام والإدارة بالمشاركة، خاصة أنه السبب الرئيسى حتى الآن لاستطالة أمد المعركة دون أن يحدث الانهيار الذى يراهن عليه الجميع، والذى سيحدث في النهاية بطبيعة الحال، لكن يبقى السؤال الصحيح وقتها حول من هو الطرف الذى سينهار ودرجة وسرعة انهياره، و مدى تأثير ذلك الانهيار على دول أخرى قد لا تسمح بأن يحدث انهيارا كليا، مهما كلفها ذلك من أموال وجهد واستخبارات ومساعدات، وكل أشكال الدعم التقليدي وغير التقليدي.