تحدثنا في المقال السابق عن طبقة صوت أخر الليل وعلاقتها بالنوم وتأثيرها على النفس والجسد، ووضحنا أن طبقة صوت أخر الليل هي طبقة الصوت الهادئة الواضحة في آن واحد، وهي الطبقة التي لديها المقدرة على أن تجعلك في حالة من الاسترخاء والشعور بالدفء والسلام.
فهل معنى ذلك أن طبقة صوت أخر الليل هي الطبقة التي يطلق عليها خامة الصوت الشتوية؟ وهل يوجد خامة صوت شتوية وخامة صوت صيفية من الأصل؟
في بداية الأمر دعنا نتفق -صديقي القارئ- أن خامة الصوت هي هبه من الله ولا يمكن لشخص التدخل في نوع خامة صوته، وذلك لأن خامة الصوت ناتجة عن التركيب الفيسيولوجي والتشريحي لأعضاء النطق والكلام والتي تشمل الرئتان والحنجرة والتجويف الأنفي والتجويف الفمي وكل ما تحتوي عليه هذه الأعضاء من أعضاء داخلية أخرى. كما تعود خامة الصوت لأبعاد الحجم والسمك والطول والوزن لكل عضو من أعضاء النطق والكلام الخارجية والداخلية والمتحركة والثابتة أيضا. وقياسات هذه الأبعاد تختلف تماما من شخص لأخر لذلك؛ فهي تحتوي على بصمة الصوت الخاصة بكل شخص. وبعد هذا الشرح العلمي المبسط عن ماهية خامة الصوت، فهل تعتقد صديقي القارئ أن لهذا الشرح أي علاقة بفصول العام؟
بالطبع لا. ولكن يمكن للإنسان أن يغير في طبقات صوته، الطبقات السبع التي تحدثنا عنها في المقال السابق أيضا، بمعنى أنه يمكن لك أن تتحدث من طبقة القرار (Chest Voice) بدلا من التحدث من الطبقة المختلطة (Mixed Voice) التي يتحدث بها أغلبية البشر دون وعي أو إدراك. حيث تتسم طبقة القرار بكونها أكثر عمقا وجاذبية (بخاصة في أصوات الرجال). أو يمكن لك أن تتحدث من طبقة صوت أخر الليل (The Late Night Voice) هي الطبقة الهادئة الواضحة التي تستخدم في المفاوضات، مثلما حدث في مفاوضات التحقيق بتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وتم إجراء هذه التحقيقات على يد كريس فوس وهو رجل أعمال أمريكي الجنسية ومفوض دولي سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية. حيث تفرز طبقة صوت أخر الليل تفاعل كيميائي داخل المخ مما يؤدي إلى هدوء الأعصاب واستجابة لا إرادية من المستمع. ويقول فوس عن طبقة صوت أخر الليل أنها طبقة تعمل على تهدئة المتكلم والمستمع على حد سواء لأنها طبقة هادئة وسهلة وواضحة. فعندما تتحدث أنت بهدوء، تهدأ مشاعرك أنت من داخلك، كما يهدأ المستمع وهو يستمع لك أيضا. وعندما تتحدث بعصبية تزداد عصبية مشاعرك من داخلك وتؤثر على أعصاب المستمع إليك بالسلب وتجعله في حالة من الغضب والعصبية أيضا، وكلتا الحالتين لهما تأثيرهما على المتكلم والمستمع على حد سواء.
يمكنك صديقي القارئ البدء في التحدث بطبقة صوت أخر الليل أثناء يومك في إجراء مفاوضاتك اليومية لترى تأثيرها على الأخر كما ستراها على نفسك أيضا، وذلك من خلال التدريب عليها في المساء وأنت مستلقي على ظهرك، تتنفس بعمق حتى يملأ الهواء رئتاك، ثم أحبس أنفاسك لمدة 4 ثواني تقريبا، ثم تحدث بهدوء، وضع يدك على صدرك لكي تشعر بالاهتزاز الناتج عن هذه الطبقة الهادئة الواضحة.
ومع كل ذلك التغيير الذي يمكن للإنسان أن يقوم به في طبقات صوته أثناء التحدث أو الغناء، إلا أنه مازال غير قادر على تغيير خامة صوته، لأن خامة الصوت هي من خلقة الله ولا يمكن تغييرها. كما أن التغيير في طبقات الصوت ليس بالأمر السهل الذي يمكن لجميع البشر القيام به بسهولة، بل يحتاج تغيير طبقات الصوت إلى أيام وسنوات طويلة من التدريبات الصوتية المتخصصة على يد مدرب صوتي متخصص. ويمكن أن يتعرض الإنسان إلى فقد صوته أو تشوه في أعضاء النطق والكلام -لا قدر الله- إذا حاول ممارسة هذه التدريبات الصوتية بمفرده من خلال الفيديوهات المنتشرة على الإنترنت بدون مراجعة خبير أو مدرب صوتي متخصص. كما يوجد بعض الأشخاص الذين لديهم عيوب خلقية في خامة الصوت مثل شاب أو فتاة في سن الرشد ولكن خامة صوته مازلت كما هي مثل أصواتهم في الطفولة، فلا تتماشى خامة أصواتهم مع سنهم الفعلي، وهذه المشكلة تواجه الكثير من البالغين وتحتاج إلى فترات طويلة من العلاج الطبي إذا احتاج الأمر (عمليات جراحية لتقصير الثنايا الصوتية أو شد العضلات المحيطة بها) بالإضافة للعلاج الفزيائي عن طريق مدرب الصوت أو الخبير الصوتي المتخصص.
وبصفتي خبير صوتية متخصصة في مجال الصوتيات واللسانيات وبخاصة الصوتيات الجنائية والتعرف على المجرمين من أصواتهم وبصمة الصوت كتخصص دقيق، فدائما يتم سؤالي في المحاضرات والندوات والورش التدريبية عن حقيقة تصنيف الأصوات طبقا لفصول العام لخامة صوت صيفي وخامة صوت شتوي، لذلك قررت أن أجيب على هذا التساؤل بشكل منطقي علمي من خبرتي في علوم الصوتيات واللسانيات وبصمة الصوت والتدريب الصوتي لما يقرب من 13 عام.
إذا افترضا أنه يوجد خامة صوت شتوية وخامة صوت صيفية، وبافتراض أن خامة الصوت الشتوية تتصف بأنها نعسانه وسهتانه، وخامة الصوت الصيفية تتصف بأنها حادة ومصحصحة، طبعا على حسب كلام المذيعة المشهورة ياسمين عز. فبناء عليه، علميا طبقا لأنواع الشخصيات من أصواتهم ونوع الصوت الذي يجذب الرجال للنساء، ونوع الصوت الذي يجذب النساء للرجال، فسيكون التصنيف على النحو الآتي: خامة الصوت الصيفية بالنسبة للنساء، ستكون هي الأكثر جاذبية لأنها علميا تدل على امرأة تشع بالطاقة والإيجابية والحيوية، مما يجذب إليها كثير من الرجال، حيث ينجذب الرجل للمرأة النشيطة المليئة بالطاقة والحيوية لأن خامة صوتها المصحصحة الحادة تدل على امرأة مفعمة بالأنوثة، ولا ينجذب الرجل للمرأة الخاملة الباردة شعوريا ذات الصوت النعسان. ومن ناحية أخرى؛ خامة الصوت الشتوية ستناسب الرجال بشكل أكبر لأن المرأة بطبيعتها تنجذب للرجل الذي لديه صوت رخيم وهادئ ويميل للنعسان، حيث ترى فيه أنه أكثر رجولة وقوة من الرجل ذو الصوت المرتفع الخفيف.
لذلك فلا يوجد ما يسمى بخامة صوت صيفية وخامة صوت شتوية، ما هذا إلا هراء، وليس له أي إثبات علمي أو صوتي في تاريخ الأصوات البشرية.