خطوات متزامنة تتخذها الدولة المصرية في اللحظة الراهنة، من أجل تحقيق اختراق واضح في القضية الفلسطينية، وهو ما بدا مؤخرا في "اجتماع العلمين"، والذي يمثل انطلاقة لعملية مصالحة منظمة بين الفصائل، من أجل تحقيق حالة "حوار"، من شأنها الوصول إلى توافقات فيما يتعلق بالعديد من القضايا الخلافية، جنبا إلى جنبا مع العمل مع المحيط العربي، من أجل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المكاسب، وهو ما يبدو في التنسيق مع الدول بصورة فردية، لتبنى موقف موحد، من جانب، أو من خلال جامعة الدول العربية من جانب آخر، عبر العمل المشترك لتحقيق زخم دولي، سواء من خلال حشد المجتمع الدولي خلف الحق الفلسطيني، أو اللجوء إلى القضاء الدولي والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، لدعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل الملفت في "اجتماع العلمين"، أنه كان فلسطينيا "خالصا" حيث لم يشارك فيه أي طرف من الخارج، ولكنه انعقد على أرض مصرية، وهو ما يحمل بعدا رمزيا، يعكس الرعاية المصرية التاريخية للقضية، ترجع إلى حوالي قرن من الزمان، بذلت فيها مصر الغالي والرخيص من أجل نصرة الحق، بينما يحمل في طياته أبعادا أخرى، أبرزها ضرورة أن يكون خيار "الوحدة" بين كافة الفصائل الفلسطينية، نابعا من الداخل، عاكسا لرغبة الأطراف في إنهاء حالة الانقسام التي طالما أثرت سلبا على مسار القضية، منذ عام 2007، وهو النهج الذي يبدو مستحدثا في التعامل المصري مع كافة القضايا الأخيرة، حيث تتبنى الدولة رؤية تقوم في الأساس على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن الحلول المستدامة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة داخلية، وليست مستوردة من الخارج.
والحديث عن "استدامة" الحلول للأزمات الدولية، في الرؤية المصرية، يقوم على دعم الدول محل الأزمة، عبر تهيئة البيئة المناسبة لها للوصول إلى حالة الحوار تدريجيا، مع ضمان "محدودية" التداخل الدولي والإقليمي، بحيث لا يسمح لطرف من الخارج القيام بدور الوصاية على أطراف الأزمة، أو الانحياز لطرف على حساب الأخر، في حين يقتصر دور القوى المؤثرة على دعم فكرة الحوار بين مختلف الأطراف، وهو ما يضمن الوصول إلى حلول "طويلة المدى"، من شأنها إطالة أمد الاستقرار في الداخل، وبالتالي تقوية الموقف، في الحالة الفلسطينية، أمام المجتمع الدولي في مواجهة الاحتلال.
الأمر نفسه يبدو في قمة "جوار السودان"، والذي انعقد في القاهرة قبل أيام، بناء على مبادرة مصرية، ليقتصر على الدول المتآخمة مع السودان، بينما خرج في النهاية بمبدأ ضرورة عدم التدخل في الشأن الداخلي السوداني، مع حث أطراف الصراع على الحوار، باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة، جنبا إلى جنب مع دعم مؤسسات الدولة والحفاظ عليها، باعتبارها الممثل الشرعي لها، وبالتالي لا ينبغي المساس بها بأي حال من الأحوال.
النهج المصري يمثل كيفية جديدة في إدارة الأزمات الإقليمية، تقوم في الأساس على التعامل مع الصراعات ذات الطبيعة الأهلية من منطلق احترام سيادة الدولة، بحيث تخرج الحلول "توافقية" بين مختلف الأطراف، مما يضفي عليها قدر كبير من الواقعية، وقابليتها للتحقق والقبول سواء من قبل المواطنين أو من أطراف الصراع، بينما تدير المواقف الدولية والإقليمية بحيث تضفي عليها صورة جديدة بعيدا عن الانحياز لأطراف بعينها على حساب الأخر.
الإدارة المصرية للأزمات ذات الطبيعة الأهلية في محيطها الجغرافي، اعتمد نهجا حياديا، بينما تبنى مبدأ "الحوار" في الداخل، بعيدا عن فكرة "الرعاية" الدولية بصورتها التقليدية، والقائمة على إدارة الحوار الداخلي من قبل أطراف خارجية، وهو الأمر الذي لم يحقق نجاحا كبيرا في السنوات الماضية، في ظل مصالح ربما تخدم الدول "الراعية" فيما يتعلق بمكاسب تحققها أطراف على حساب الأخرى، مما أنتج في نهاية المطاف حلولا مؤقتة، وربما هشة، أطالت أمد العديد من الصراعات التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية.
وهنا يمكننا القول بأن "اجتماع العلمين" يمثل وجها أخر لمبادرة "جوار السودان"، فالأولى تمثل أولوية "الحوار" في الداخل لحل الأزمات، دون تدخل خارجي، سوى دعم تلك الحالة وتشجيعها، للوصول إلى توافق فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، بينما يبقى الثاني محاولة لرسم حدود الدور الدولي فيما يتعلق بالأزمات الأهلية، والحد من تداعياتها على دول الجوار، بالإضافة إلى العمل على تهيئة أطراف الصراع وتعزيز البيئة لخلق حالة "الحوار" بين الأطراف المتصارعة، وهو ما يمثل صورة جديدة لمفهوم "الرعاية" الدولية في إطار الأزمات.