المعركة الرئيسية لعبد الناصر كانت فى حماية استقلال القرار الوطنى
جمال عبد الناصر رجل قلما تجود به الأزمان.. عبد الناصر لم يكن مجرد شخص أو رئيس.. عبد الناصر كان تجربة وملحمة وطنية كانت لها أمجادها كما كانت لها عثراتها.. كثيرون اختلفوا حول تجربته فى إدارة مصر والوطن العربى، لكن قلة من اختلفوا على شخصه، كان المصريون ينتظرون خطاباته التى كانت تزلزل وجدانهم وتمس مشاعرهم عبدالناصر تحول إلى رمز واسمه أصبح ترادفا لمعانى الوطنية والكرامة والعروبة والاستقلال الوطنى.
عبد الناصر رجل صنع ثورة ومات بلا ثروة، لقد كان راتب عبد الناصر الشهرى 395 جنيها، وقد حصرت الأجهزة الرسمية ممتلكاته وأمواله بعد وفاته فوجدوها حوالى 3 آلاف و700 جنيه مصرى.
حكم عبد الناصر مصر، وهو ثائر شاب فى منتصف الثلاثينيات من العمر، فصارت مصر مثله شابه متألقة وثائرة.. لقد كان أصغر رئيس جمهورية فى تاريخ مصر كما كان أصغر رئيس جمهورية مات فى تاريخ مصر كان لديه قدرات لا يتحلى بها الكثيرون أهلته أن يكون رئيسا محنكا يبلغ من سن الرشد السياسى 100 عام أو يزيد.
عبد الناصر كان يحكم مصر بنظرية المستبد المستنير، فنعم كان حكمه ترسيخا لحكم الفرد كما شهد عصره تعاظما لفساد بعض مقربيه، لكن لم يكرهه أحد عاصره، حتى الذين دخلوا سجون نظامه، فكثير من المثقفين والشعراء سجنوا فى عصر عبدالناصر، لكن عشقهم لعبدالناصر لم ينقطع قط.
عبد الناصر لم يكن ملاكا أو شيطانا.. عبد الناصر كان إنسانا حارت فيه أجهزة مخابرات الدول المعادية لحكمه، لأنه كان مستقيما ليس له سقطة أو نزوة من نزوات أصحاب السلطان، بل كان يحيا حياة عادية يأكل مما يأكل منه المصريون يرتدى «الكاستور» المصرى وملابسه بسيطة مكتوب عليها صنع فى مصر. ورغم أننى لست من المنتمين للتيارات السياسية الناصرية، وأننى أختلف مع كثير مما صنع عبد الناصر فإنه سيبقى فى وجدانى زعيما له ما له وعليه ما عليه، وستبقى ثورة يوليو ثورة عظيمة رغم أنف المشوهين والمشككين والمغفلين والمتأسلمين، فالتشويه والتحريم والتدمير والتشكيك فى تاريخنا صناعة إمبريالية لها فروع فاشية، فالدول بنت الـ300 سنة تسعى لمحو حضارات آلاف السنين لمصر وسوريا والعراق واليمن. ففى اعتقادى أن المعركة الرئيسية لعبدالناصر كانت فى حماية استقلال القرار الوطنى، فرغم علاقته القوية بالسوفيت فإنه لم يسمح لهم بالهيمنة على مصر وقرارتها، وهو ما عرض العلاقات للتوتر فى بعض الأحيان، ناهيك عن ما صنعه بالأمريكان الذين رشوه بمبلغ كبير بنى به برج القاهرة الذى يقف فى العاصمة عبر العصور شامخا كشموخ صاحبه.
لقد أذهل عبد الناصر الغرب والعالم، فمصر فى وقت من الأوقات لم تكن تُعرف أو تُنادى فى الغرب إلا ببلد الكولونيل ناصر، فقد قالوا عنه:
«إن الرئيس جمال عبد الناصر قدم لبلاده وللعالم العربى بأسره خدمات لا نظير لها بذكائه الثاقب وقوة إرادته وشجاعته الفريدة، ذلك أنه عبر مرحلة من التاريخ أقسى وأخطر من أى مرحلة أخرى لم يتوقف عن النضال فى سبيل استقلال وشرف وعظمة وطنه والعالم العربى بأسره». «الأسقف مكاريوس رئيس قبرص».
«إن وفاة جمال عبد الناصر صدمة مفاجئة وخسارة لا يمكن أن تعوض لقد كان لا يهدأ أبدا وكان كل أمله أن يرى حياة شعبه قد تحسنت، ويرى الوحدة العربية وقد تحققت إن جمال عبد الناصر واحد من البناة الذين سعوا إلى تحقيق وحدة أفريقيا، وقد كانت حياته القصيرة حياة غنية ولم يكن أحد سواه يستطيع القيام بما قام به لما كان له من نفوذ عظيم فى كل الدول العربية». «شارل ديجول رئيس فرنسا».