واصلت محاكم التفتيش جرائمها ضد المسلمين، ولم تكتف بحرق البشر، بل قامت بحرق المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة، وكانت محاكم التفتيش- وفقا للبحث الذى قدمه الدكتور راغب السرجانى- تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء فى ساحة من ساحات مدينة غرناطة أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام 1577م، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالى بالقوة، ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفى يوم 12/10/1501م صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب فى ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب فى جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية فى السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدا من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين، فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها.
عندها أعلن الكاردينال خيمينيث أن المعاهدة التى تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين فى غرناطة دون الأخذ برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذى يساقون إليه، ومن يرفض منهم، عليه أن يختار بين أحد أمرين : إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أى شىء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علنًا فى ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية.
كان من الطبيعى أن يختار عدد كبير من أهالى غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات، ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللحديث بقية غداً.