كانت هذه هى المكالمة الأولى بينى وبين هذا الرجل المحترم، فى أحد أيام شهر يونيو من سنة 2011، وقت أن كانت سماء مصر ملبدة بغيوم «يناير»، والرياح تأتى بالمزيد من الاضطرابات بعد استفتاء 19 مارس المسمى بـ«غزوة الصناديق»، بينما حقوق الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى مستمرة فى التدهور، ولهذا كتبت مقالا بعنوان «من يثأر لأحمد سبع الليل»، وتحدثت فيه عن الظروف غير الآدمية التى يعيش فى ظلها عساكر الأمن المركزى، الذى يتعامل معهم المجتمع، وكأنهم «حطب الثورة» الذى يشتعل دون أن يجد عربة إطفاء أو حتى وردة تكريم، وبعد نشر المقال وجدته يتصل: «أنا اللواء هانى عبداللطيف من الإدارة العامة للإعلام بوزارة الداخلية»، وبدماثة شديدة وأدب جم واحترام فائق، أبدى اللواء هانى عبداللطيف اعتراضه على بعض ما جاء فى المقال، وحينما وجدنى مرحبا باعتراضاته غير منزعج منها، استأذننى فى أن يرسل لى ردا، فرحبت أيضا لإيمانى الشديد بأن الرد «حق»، وأن الصحفى الذى يحتكر «الرأى» دون الاعتراف بـ«الرأى الآخر» هو صورة أخرى من صور الديكتاتور، وبالفعل أرسل لى الرد ونشرته، فصار بيننا ميثاق مكتوب من الاحترام المتبادل.
ما فعله هانى عبداللطيف معى فى هذا التوقيت كان يفعله مع معظم كتاب مصر وصحفييها، يمد جسور التواصل بصبر وتفان دون كلل أو ملل، ولمن لا يتذكر هذه الأجواء أقول: إن هذه المهمة كانت أشبه بالمهمة الانتحارية فى وقت كانت سمعة الشرطة «فى الأرض»، وأقسام البوليس «محترقة»، وسيارات الشرطة «خردة»، فاستطاع اللواء هانى عبداللطيف، واللواء عبدالفتاح عثمان فى هذا التوقيت إزالة الركام عن صورة الشرطة وتنظيف الأضرار التى لحقت بها وإعادة الثقة إليها، والأجمل من كل هذا أنهما أديا تلك المهمة بنعومة واحترافية، فاستطاعت الشرطة أن تسترد عافيتها، وأن تكسب أضعاف ما خسرته بفضل العديد من العوامل أهمها وجود «هانى عبداللطيف».
شغل اللواء هانى عبداللطيف منصب المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية، وأعتقد أن صورته مازالت محفورة فى أذهان الناس، سواء قبل حكم الإخوان أو أثنائه أو بعده، وأعتقد أيضا أن دوره فى 30 يونيو لا يقل براعة عن دوره فى 25 يناير، فهو صاحب المداخلات الحاسمة، والخطاب المتزن، والصوت الواضح فى هذه الحرب المعلنة، وبالإضافة إلى هذا، فهو صاحب السمعة الطيبة بين الجميع والعلاقات الممتدة مع الجميع، وفى الحقيقة، فإنه فى الوقت الذى حزن عليه كل الصحفيين حينما نقله اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية الحالى، إلى أكاديمية الشرطة، فرحت أنا، ليقينى أنه سيفيد البلد أكثر بهذه المهمة الجديدة عن طريق تعليم طلاب الشرطة أهم درس يمكن أن يتلقوه، ألا وهو درس «الاحترام».
هذه شهادتى عن هذا الرجل المحترم صاحب الـ56 عاما، الذى شملته حركة التغييرات الشرطية الأخيرة، فخرج إلى المعاش، متمنيا له كل التوفيق فى حياته الجديدة، آملا أن أراه قريبا فى موقع يعود على البلد بمزيد من «الاحترام».