قرابة نصف القرن مر على وفاة المشير عبدالحكيم عامر، مات ودُفن سره معه، ورغم ذلك لا يقتنع أفراد عائلته بانتحاره، وآخرهم نجله جمال عبدالحكيم عامر، الذى يؤكد أنه قتل بالسم، بعدما أعطوه جرعة فى الساعة السادسة مساء يوم 14 سبتمبر 67، مات بعدها بـ 5 دقائق، لأنها كانت كفيلة بقتل 50 شخصاً فى دقائق، حسب ما ورد فى تحقيقات نشرها الأستاذ خيرى حسن من عدة أيام فى جريدة الوفد.
دروس كثيرة وعبر ومواعظ حفرتها قصة الصداقة القاتلة بين ناصر وعامر فى وجدان الوطن، أهمها على الإطلاق درس النكسة المريرة، خصوصاً أن عبدالناصر أبلغه بموعد الحرب قبل وقوعها بأيام، ولكن لم يؤخذ كلامه على محمل الجد والاهتمام.
كانت النهاية الحزينة عندما استدعى الرئيس عبدالناصر لبيته فى منشية البكرى المشير عبدالحكيم عامر، وظن المشير أن عبدالناصر سيصالحه ويعيده إلى القوات المسلحة، بعد أن أعلن عن استقالته وحمَّله مسؤولية هزيمة يونيو 67، ولم يتصور أن عبدالناصر أراد أن يحاكمه وسط مجموعة من زملائه، أعضاء مجلس قيادة الثورة، وانتهت المقابلة بأن تركهم عبدالناصر فى صالون منزله إلى غرفة نومه.
فى تلك اللحظة بالضبط كان الفريق أول محمد فوزى يتصل بعبد الناصر، ويبلغه بأنه نجح فى فض اعتصام الضباط الذين احتشدوا فى بيت المشير بالجيزة، وكانوا يهددون بإعلان حرب مسلحة ضد عبد الناصر، لم يذهب المشير إلى بيته ، واعتقله فوزى ولم يمض أكثر من شهر حتى تم الإعلان عن انتحار المشير، لتنتهى بذلك فصول الصداقة القاتلة بين ناصر وعامر.
كيف مات عامر؟ التحقيقات الرسمية تقول إنه تناول عقاراً قاتلاً كان يخبئه بشريط لاصق فى أحد فخذيه، ورغم ذلك فقد أعيد فتح القضية عدة مرات، وأثبتت التحقيقات أنه مات منتحراً وليس مقتولاً، لا يمكن أن يقتل صديق عمره، رغم أن الصراع وصل بينهما ذروته قبيل النكسة، وأتذكر أن الفريق فوزى رحمه الله، قال لى فى حوار صحفى أجريته معه منذ سنوات، أن عبدالناصر حين عينه رئيساً لأركان الجيش، صمم المشير على أن يضرب بالقرار عرض الحائط، حدد عبدالحكيم عامر صلاحيات الفريق فوزى فى المشروعات الزراعية، وكلفه بزراعة مئات الأفدنة من الذرة، وأبعده تماما عن الشؤون العسكرية، وجاءت الفرصة لفوزى بعد النكسة، وبتعيينه وزيراً للدفاع استطاع أن يرد اللطمة للمشير، وأشرف بنفسه على اعتقاله وتصفية رجاله وتقديمهم للمحاكمة.. رحم الله الزعيمين.