أقدر تماما حالة الارتباك الحاصلة فى الجهاز الإدارى للدولة بكل أطيافه ومستوياته وقطاعاته، فلا يخفى على أحد ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية متلاحقة، ولا يخفى على أحد أيضا ما يتحمله المواطن من تكاليف باهظة نتيجة هذه الأزمات، لكنه ما لا أستسيغه هو عدم اكتفاء الحكومة بتحميل المواطنين آثار هذه الأزمات فحسب وإنما مسؤوليتها أيضا، فالمهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة يقول: «على المواطن أن يتحمل نتيجة ارتفاع الدولار وعليه أن يسهم فى خفضه بشراء المنتج المصرى وعدم المضاربة بالعملات الأجنبية، وهو قول حق أؤيده تماما، لكن ما لا أؤيده هو أن رئيس الحكومة ربما لم ينتبه إلى أن مسألة توافر المنتج المصرى الجيد تحتاج إلى ثورة تصنيعية ورقابية من المفترض أن تقوم الحكومة بها من أجل ضمان الجودة وضمان التنافسية، ناهيك عن أن مسألة المضاربة بالدولار هذه تحتاج إلى وقفة حقيقية فإذا كانت هذه المضاربة غير قانونية فيجب على الحكومة أن تضرب بيد من حديد على يد المخالفين للقانون، وإذا كانت قانونية فليس على من يقوم بها حرج، وخلاف هذا كله فقد قال رئيس الحكومة للمواطنين ما الذى يجب أن يفعلوه فى حين أنه نسى أن يقول ما الذى يتوجب عليه هو أن يفعله.
كلام رئيس الوزراء عن دور المواطن ومن قبله كلام بعض المسؤولين الذين أرجعوا مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى «الحالة النفسية للشعب» يفتح الباب أمام النقد للخطاب الحكومى الدائم عن أن المواطنين هم السبب فى كل الأزمات، وأنه على المواطنين أن يعملوا ويزيدوا فى العمل من أجل التقدم، متجاهلين ذكر هذا العمل والسبيل إليه، وهنا يجب أن نسأل: فماذا تريد الحكومة من الشعب؟ فقد قالت الحكومة للشعب أسهم فى بناء قناة السويس فأسهم، وقالت له سنفرض عليك ضرائب جديدة فوافق، وقالت له سنرفع الدعم عن الوقود والكهرباء فقبل، وقالت له سنخفض العلاوة السنوية فرضخ، وقالت له تبرع للدولة فتبرع، وقالت له اربط الحزام فربط حتى اختنق، وقالت له اصبر على بعض الإجراءات التعسفية لأننا نحارب الإرهاب فصبر، وقالت له لا تتظاهر لكى تدور عجلة الإنتاج فوضع فى فمه كمامة وسكت، فماذا تريد الحكومة حقا من المواطنين وإلى متى ستظل حجة البليد سب المواطنين؟