ويعرف عن محاكم التفتيش أن قانونها الأساسى مبنى على أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التى يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهربًا من التعذيب الذى سينتظره، أضاف المدعى العام إليه تهمًا أخرى، وفى النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب، لأنه إنما يعترف تهربًا من قول الحقيقة، أى أن التعذيب لا بد منه، سواء اعترف المتهم أم لم يعترف.
ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتى عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكى بالحديد المحمى ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع.
وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل، وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يومًا واحدًا ثم يُعرض عليه ما قاله فى أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضى أن الله التى لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفى هذا الاتهام أو يؤكده، وفى كلا الحالتين يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر فى سلسلة لا تنتهى من التعذيب.
أخيرا، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل فى ثلاثة أنواع:
البراءة: وهو حكم نادرًا ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئًا، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذى تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التى ألصقت به عينها. وللحديث بقية غدا إن شاء الله.