المواطن الصينى هو سر المعجزة التى تشهدها بلد التنين، فهو أكثر مواطنى العالم التزاماً بالقواعد والقوانين، ويحترم مرؤسيه حتى وإن لم يرض عنهم، فالغضب غير وارد، والإهمال لا وجود له فى قواميس العمل، الكل يتقن ما يقوم به، حتى وإن لم يكن هناك رقيب عليه.
لا تتعجب فى الصين حينما تجد مهمة واحدة يقوم بها أكثر من شخص، فلكل منهم تخصص يؤمن به ويسير عليه، دون تدخل فى تخصص الآخرين، فالفهلوة لا مكان لها مطلقاً فى الصين، لأن التخصص هو الدستور الذى يسير عليه الجميع هناك، وهو ما جعلهم ماهرين فى أعمالهم ومتقنين لكل شىء مكلفين به، حتى فى الشرطة والجيش، النظام يبهر الجميع، ففى الشوارع تجد الشرطة والجيش منتشرين لحفظ النظام، والجدية تظهر على وجوههم، ورغم الجدية إلا أن الابتسامة هى أول ما تجده حينما تقترب منه، خاصة إذا كنت أجنبيا، لأن الأجنبى فى الصين له احترام شديد وقبول، قد لا تجده فى أى مكان آخر.
عودة إلى المواطن الصينى، فهو بالفعل السر الذى يقف خلف النهضة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية أيضاً فى الصين، بداية من الرئيس وحتى المواطن البسيط، فأمامهم هدف وحلم يعملون على تحقيقه، ويحاولون بشتى الطرق الوصول إلى هذا الهدف والحلم فى أقرب وقت، ويطلق عليه «الحلم الصينى» الذى قال عنه الرئيس شى جين بينج «علينا بذل الجهود الحثيثة وأن نتقدم بإرادة لا تعرف الهوان من أجل دفع قضيتنا العظيمة، قضية بناء الاشتراكية بخصائص صينية، إلى الأمام، وأن نكافح من أجل تحقيق الحلم الصينى بالتجديد العظيم للأمة الصينية، ومن أجل الوصول إلى نهاية الطريق الصينية، علينا نشر الروح الصينية التى تجمع بين روح الأمة التى تمثل الوطنية قلبها من جانب، وروح العصر التى أساسها الإصلاح والابتكار.
الحلم يسيطر على عقلية وتفكير كل صينى، ورغم أن الصين تعد حالياً ثانى قوة اقتصادية فى العالم، ولها تأثيرات كبيرة على العالم سياسياً وأقتصادياً، إلا أن الصينين مازالوا ينظرون لأنفسهم على أنهم دولة نامية، يملكون كل مقومات الدولة المتقدمة، من احتياطى نقدى تخطى الأربعة بليون دولار، ووجود قوى فى كل الأسواق العالمية، وأمور أخرى كثيرة، لكنهم مازالوا ينظرون لأنفسهم على أنهم دولة نامية، وهذا درس آخر على الجميع تعلمه، وهو احترام الآخرين، وتقدير قيمتهم، وعدم التسرع فى التباهى بما تملكه الدولة من مقومات، وجانب آخر يرتبط برغبة الصين فى زيادة ترابطها مع الدول الأفريقية والآسيوية، المصنفة بأنها دول نامية، فالصين ترى أن قوتها فى الارتباط بالدول النامية، وليس الدول المتقدمة فقط، لذلك تصر على أنها جزء من الدول النامية، وليست أكبر منهم، رغم ما تمتلكه من مقومات تتفوق بها على كل الدول النامية لو أجتمعت.
السؤال الآن هو كيف نستفيد من تجربة الصين، والاستفادة هنا لا تقتصر فقط على الحلم الصينى الذى ربما يترافق مع حلمنا نحن كمصريين، بأن ننتقل إلى دولة رفاهية حديثة، تستطيع توفير كل احتياجات المواطنين، لكن لكى نصل إلى ما وصلت إليه الصين علينا التحلى بنفس صفات الشعب الصينى، بأن نكون مخلصين لعملنا، ومقدرين للمهمة المقبلين عليها، فمصر دولة تستحق مكانة أفضل مما هى عليه الآن، ولن نصل إلى المكانة الأفضل إلا إذا أخذنا المواطن الصينى نموذجا لنا، فى هذه الحالة لن نعانى من أزمات اقتصادية ولا من ضعف فى الأخلاق، ولا تكدس فى المصالح الحكومية، وسننسى كل السلبيات التى نراها كل يوم فى الشارع، فطالما أن كل منا التزم بعمله وأداه بالشكل المطلوب، فالنتيجة المنطقية هى تحول مصر إلى مصاف الدول الحديثة.