يعود اسم المنيا إلى «منة»، كما هو مسجل فى مقابر بنى حسن، وتعنى رمز الأمانى، وتطور الاسم فى العصر القبطى من «منة» إلى المنيا، وفى العصر الإسلامى حكمها الوالى بن خصيب الذى تمنى ولايتها، فسميت «منية ابن خصيب»، وهو الخصيب بن عبدالعزيز ابن الخليفة العباس، ويوجد شارع باسمة يتفرع من ميدان بالاس، ويمتد حتى ميدان الساعة، وهناك من ينسبها لـ«منيا الفولى»، نسبة إلى العالم الإسلامى أحمد الفولى، وهناك مسجد باسمه.
وتمتلئ المنيا بالآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية واليونانية والرومانية، مما يدل على اهتمام حكام كل العصور بها: تونة الجبل، تل العمارنة، طهنا الجبل، مقابر فريزر، بنى حسن، ومقبرة إيزادورا.
لذلك تعد المنيا متحفًا لكل العصور والآثار المسيحية.. كنيسة العذراء، جبل الطير، وكنيسة العائلة المقدسة بملوى، وكنيسة أبينا عبدالمسيح المناهرى، ودير الأنبا صموئيل، ودير أبوفانا، ودير البرش، ومن الآثار الإسلامية مسجد اللمطى، ومسجد المئذنة، وإسطبل عنتر، وزاوية محمد سلطان، ومسجد الفولى، والمدهش أن قرية البهنسا بها آثار لكل العصور: فرعونية، يونانية، رومانية، قبطية، إسلامية.. هذه المقدمة تعنى أنها كانت مهمة جدًا على مر التاريخ، ولذلك شهدت صراعاتها دائمًا عنفًا دينيًا فى كل العصور، سالت دماء فى الانتقال من الديانات القديمة إلى التوحيد فى عصر إخناتون.
ومع بداية القرن الأول الميلادى انتشرت المسيحية فى مصر بشكل واسع، خاصة فى الصعيد الأعلى والصعيد الأوسط، خاصة البهنسا وملوى بالمنيا.
وكلما زاد اضطهاد الرومان زاد التفاف المصريين حول المسيحية، واستمرت مقاومة الأقباط بعد اضطهادات ساويرس فى بداية القرن الثالث، واضطهادات كاركلا فى سنة 211 الذى أصدر قوانين بصلب الأقباط المعارضين، ورميهم للوحوش المفترسة، وذبح أعداد كبيرة من أقباط الإسكندرية، واضطهادات مكسيمينوس سنة 235 التى عذب فيها أعدادًا من الأقباط حتى الموت، واضطر فى عهده البطريرك ياروكلاس أن يهرب من الإسكندرية، وهرب آلاف الأقباط إلى المنيا، واضطهادات دكيوس اللى بدت بمرسوم سنة 250، وعُذب واستشهد فيها الآلاف، وانتشر الحزن والفزع فى نواحى الصعيد، خاصة فى المنيا، واضطهادات دقلديانوس سنة 303، وفاليريوس، وودازا، وغيرهم.
وظل الوضع على ما هو عليه حتى سنة 313 عندما أصدر الإمبراطور قسطنطين الأول مرسوم ميلانو الذى سمح بحرية العبادات فى نواحى الإمبراطورية الرومانية، وفى هذا التوقيت بنت الملكة هيلانة أم قسطنطين كنيسة العذراء جبل الطير، وكان بها حينذاك مئات من المعترفين.
وفى أثناء دخول العرب مصر لم تلقَ الجيوش مقاومة تذكر إلا فى البهنسا بالمنيا حتى أطلق عليها الفاتحون «مدينة الشهداء»، لكثرة من استُشهد فيها خلال المعارك، ففى عام 22 هجرية أرسل عمرو بن العاص جيشًا لفتح الصعيد بقيادة قيس بن الحارث، وعندما وصل إلى البهنسا، كانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة، كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين، وهو ما كان سببًا فى قدسية المدينة داخل نفوس أهلها الذين أطلقوا عليها «مدينة الشهداء»، تبركًا والتماسًا للكرامات، وفى البهنسا، غربًا، بجوار مسجد «على الجمام » تقع جبانة المسلمين التى يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة التى تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة ومقابر «مقامات» لشهداء الجيش الإسلامى الذين شاركوا فى فتح مصر، واستشهدوا على هذه الأرض خلال حملتهم فى فتح الصعيد المصرى، ويفخر أهلها اليوم بهذه القرية لاحتواء ترابها على أجساد هؤلاء الشهداء من الصحابة، بل البدريون منهم، أى من حضروا بدر مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
قبيل تأسيس الدولة الحديثة اندحرت الحملة الفرنسية على أبواب قرية «دماريس»، التى سميت بذلك لقتل الأهالى القائد الفرنسى «جماريس»، وصولًا لثورة 1919، وقيام أهل ديرمواس فى 18 مارس بقلب قطار يحمل الإنجليز.. تاريخ عنف مستتر وتحت الجلد لمدينة معمدة بالدم.