القدر المتيسر من المعلومات هو أن السلطات الألمانية ارتكبت عدة جرائم متتالية، أولا: عندما قبضت على المواطن المصرى محمد النجار بتهمة السرقة وحاكمته وحبسته دون أن تخطر السفارة المصرية وفقا للقوانين والأعراف الدولية.. ثانيا: قامت بحرق جثته ودفنه دون مراعاة لديانته بعد أن ادعت أنه حاول الانتحار فى زنزانته ومات أثناء علاجه فى المستشفى.. ثالثا: تم اكتشاف الواقعة البشعة صدفة، عندما أرسل زملاؤه لذويه فى مصر ما يفيد أنه تعرض لتعذيب وحشى على يد الشرطة الألمانية مما أدى إلى قتله.
المبرر الذى تستند إليه السلطات الألمانية هو أن النجار طلب قبل وفاته عدم إخطار السفارة، وأوصى بحرق جثته، ولا تعتقد كما قال سفيرها فى القاهرة أن وراء الحادث طرفا ثالثا، وأنها تقوم الآن بالتحقيق لتبيان الحقيقة.. طب ازاى؟ لقد أحرقوا الجثة، وبالتالى لا يمكن للطب الشرعى أن يناظرها، لكشف ما إذا كانت الوفاة جنائية أم بسبب الانتحار، وأهم من ذلك هو انتهاك كل الأعراف والقوانين والقيم الإنسانية، ولو فرضنا أن مواطنا ألمانيا تعرض لنفس الانتهاكات، التى تفوق تفاصيلها وقائع ريجينى، هل كانت ألمانيا تقبل محاكمة وقتل وحرق ودفن مواطنها سرا، دون أن تخطر سفارته وأهله وذويه؟
المسألة صعبة على الفهم والتمرير، وأمسك بشدة قلمى وكلماتى، حتى لا يقذفا نارا تحرق مشاعرى، من جراء هذا الاستهتار المخيف بحياة مواطن مصرى، فى دول تصدعنا ليل نهار بحقوق الإنسان، وتذرف دموع التماسيح على الحرية والديمقراطية والعدالة، بينما تحرم أهالى مواطن قتل صمتا، من أن يطمئنوا على جثمانه فى ثرى قريته، وحتى لو كتب وصيته المزعومة، ألم يكن من الأحرى الكشف على قواه النفسية، التى انهارت بشدة وجعلته يرفض وطنه ودينه؟ ومثل هذا الشخص كان أولى بالرعاية والعلاج حتى يشفى من مرضه ثم تتم محاكمته، لأن كل قوانين الأرض تحظر محاكمة ومعاقبة المرضى النفسيين، ثم يتعامل السفير الألمانى فى القاهرة مع القضية، ببرود يفجر الأعصاب ويحرق الدم ويفتقد الحكمة والكياسة.
مشكلتنا أننا نسخن بسرعة ونبرد بسرعة أكبر، عكس إيطاليا مثلا التى تصعّد كل يوم فى قضية ريجينى، وبعد ذلك نهدأ وننسى حتى يقع حادث جديد وهكذا، ومشكلتنا أننا لا نعظم أوراق الضغط التى فى أيدينا، لحفظ كرامة المواطن المصرى أينما وجد، وأهمها الآلة الإعلامية الجهنمية الموجودة فى مصر، تقسو علينا ورحيمة على الآخرين.