منذ عام كان لى شرف الحضور، فالمشهد لم يكن ليوصف، فى زهوته وعظمته، بل يُرى فحسب، فمصر مازالت تبادر فى صناعة تاريخ الإنسانية، فيومها على صفحة مياه القناة انعكست أشعة الشمس بظلالها على رؤوس الأشهاد، الآلاف يوم 8 أغسطس 2015م، على المنصات بامتداد خط القناة تعتلى وجوههم البسمة، ينتظرون هم وملايين المصريين فى كل ربوع الوطن، يترقبون ساعة الصفر، الساعة الثانية ظهرا، فهذه المرة لم يعبر جنودنا القناة محررين، إنما مر يخت «المحروسة» يشق مياه قناة السويس الجديدة، حاملاً على متنه قائدًا سياسيًا وعسكريًا، إيذانًا بالعبور الثانى لقناة السويس، ليقف التاريخ «انتباه»، ليسجل ملحمة جديدة فى تاريخ أمة لا تنهزم حربًا ولا يأسًا، فهم أبناء الانتصار، والثورات العظيمة.
فقد كان مرور يخت «المحروسة» فى الساعة الثانية ظهرًا، فى يوم حمل تقويمه رقم 6، وعليه الرئيس مرتديًا حلته العسكرية، مشهدًا عبقريًا، حيث تجلى يخت «المحروسة» فى الترميز لعظمة سفينة الحضارة المصرية بلقبها «المحروسة»، وامتدادها فى جذور التاريخ، فهو أقدم يخت فى العالم، ناهيك عن أنه أول عائمة تعبر قناة السويس فى افتتاحها عام 1869.. كما امتزجت الحلة العسكرية وتوقيت العبور فى رسائل مفادها التذكير بانتصار أكتوبر العظيم، وامتداد مسيرة الحفاظ على الأمن القومى المصرى، بإحراز النصر على الإرهاب والفقر بالسلاح والتنمية.
فإن أول خطوة على طريق النجاح، هى تعظيم معنويات الجماعة البشرية من «قولنا هنبنى وهنحارب.. لـ هنعبر ونحرر.. لـ هنحفر ونعمر»، كيف لا وعاملهم المشترك مارد اسمه المصرى، أقوى ما نملك على الإطلاق؟.. العامل الحاسم فى موازين القوى، والرادع الحقيقى لأراذل الأمم، فهم الشجعان إلى حد الجنون، وهو ما تجلى فى العرض الباهر لسلاح الجو فى سماء الاحتفالات، حيث أخذ الحضور فى التقاط الأنفاس عند التحام الطائرات التى رسمت على سطح السماء أسمى كلمات الوطنية والفداء.
فقناة السويس الجديدة شقت معها قنوات الأمل، واستنهضت الأمة لتفرحها، ثم تذكرها بعظمة ماضيها، وتحديات حاضرها، وزهو مستقبلها، لتصبر وتصمد فى وجه من يؤلمها ويسعى لدحرها.. أهل الشر الذين نصبوا المآتم مع أفراح وزغاريد المصريين، لينبحوا كالكلاب، وتذبح آمالهم على شط القناة، ويعووا كالذئاب فى الشرك، فهم ليسوا منا، فهم أبناء دولة «خان يخون إخوان».
كما شقت القناة حدًا فاصلًا بين فترات الترنح، ولحظة الثبات التى منحت رسائل موجعة إقليميًا للهلفوت العثمانى، والدلوع القطرى، وتذكير العدو الصهيونى بمرارة الهزيمة والانكسار التى ذاقها فى ساعة حملت عقاربها نفس التوقيت، وشعب احتشد بجنوده ووجدانه على نفس الأرض ليلتقى فى موعد مع الانتصار.
هذا بجانب التلغراف المرسل للقوى الدولية، حيث احتوت سطوره على كلمات مقتضبة، مفادها أنكم فشلتم فى سعيكم، وحُطمت استراتيجيتكم فى المنطقة على صخور شعب عنيد يستدعى من جذور جيناته عزيمة الصمود، وروح القتال التى التقت فى تاريخنا مرتين.. مع الساعة الثانية ظهرا.
فبالرغم من مرور عام كامل، على افتتاح قناة السويس الجديدة، لم يهدأ نباح الكلاب، فى التتفيه والتشكيك، للنيل من العزائم، ودحر الهمم، واغتيال الأمل، وتدعيم اليأس، وتعظيم المشكلات، وكسر حدة الاستقلال الوطنى، الذى عظمته مصر ما بعد ثورتى يناير ويونيو، فمازالوا على درب مساعى تطويعها يسيرون، غير عابئين بإرادة أمة، ولا بحق أهلها فى تقرير مصيرها، بعيدا عن وصاياهم وهم أصحاب التاريخ الاستعمارى البغيض، فهولاء لا يدركون بخوضهم، أنهم اليوم أمام مصر الواعية.. العنيدة.. التى تحطم على صخرها أعتى المعتدين.