للوهلة الأولى، وبلا اجتهاد فى التفكير ستتأكد من عبثية هذا السؤال ودمويته فى آن، لكن للأسف، مثل هذه الاقتراحات الإقصائية الدموية لم تعد غريبة عن حياتنا، ولم تعد بمستغربة حينما تشاهدها فى الفضائيات أو تقرأها فى الصحف أو تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعى، فالمزاج العام الآن فى مصر أصبح إقصائيا بامتياز، فنائب يقول لوزير المالية خالف القانون ونحن معك، وآخر يقترح عقوبة الإعدام جزاء لمن يتلاعب بأسعار الدولار، ومحافظ يأمر بإزالة أعمدة الإنارة من طريق مصر إسكندرية الزراعى، لكى لا يستغلها البعض فى سرقة التيار الكهربائى، وإعلامى يريد من الدولة أن تسحب الجنسية من كل مصرى لا يروق له، وغير هذا من حلول واقتراحات- للأسف- تصدر من نخب سياسية أو شعبية أو نخب تنفيذية تتولى مواقع قيادية، وللأسف أيضًا فإن هذا المزاج الإقصائى يجد رواجًا كبيرًا هذه الأيام بين الكثير من جموع الشعب المصرى، ما يدل أولا على أن «شخصيتنا الوطنية» أصيبت بمرض خطير، وثانيا أن أبناء مصر «المختارين» فى مواقع القيادة يتخلصون من هذا المرض وكأن تعليمهم فى المدارس والجامعات وتدرجهم فى الوظائف خاضعين للانتخاب الطبيعى، لم يؤثر فيهم ولم يثر شخصيتهم ولم يهذب من غوغائيتهم.
ربما لا تدرك هذه «النخب الحاكمة»، أن هذه الطريقة العنيفة فى التفكير وهذه الاقتراحات الإقصائية الدموية لن تفيد الوطن ولن تمنع البلاء كما تظن، فالذى يحاول سرقة التيار الكهربائى من أعمدة الإنارة لن يقف مكتوف الأيدى إذا ما أزيلت أعمدة الإنارة، وسيسرق التيار الكهربائى من أى مصدر آخر، وهنا تكمن عبثية نظرية - الحل بالاستبعاد- لأنه ناهيك عن كونها باطشة وغير إنسانية، لكنها أيضًا «فاشلة» فمحافظ القليوبية، الذى ابتكر هذا الحل «الفتاك» لم يضع فى حسبانه عشرات المصائب، التى من الممكن أن يتسبب فيها جراء هذا القرار، تمامًا كما لم يدرك البعض خطورة التخوين العشوائى والعقوبات القاسية وعاقبة هدم القانون، ويؤسفنى أن أقول: إن هذه الإجراءات أو الاقتراحات التعسفية توحى بأن بعض المسؤولين فى دوائر الحكم والسياسة أصبحوا يستضعفون الشعب ولا يقيمون له وزنا ولا يحسبون له حسابًا، وهذا هو أخطر ما فى الأمر، ليس على الشعب فحسب وإنما على الدولة أيضًا.