على الرغم من المعارضة الرهيبة التى أبداها البعض لاقتراض الحكومة لـ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادى، والتخوف من استخدامه كمسكن لتخفيف العبء عن الحكومة فى المرحلة الحالية، وترحيل المشكلات، ليتحول القرض إلى عبء على الأجيال القادمة، يضاف إلى الأعباء التى خلفتها الإخفاقات الاقتصادية المتلاحقة للأنظمة خلال العقود الأخيرة.
رغم تلك التحفظات، إلا أننى أؤكد أن الخطوة قد تكون جيدة، وقد تشكل دافعة حقيقية لخدمة برنامج الاصلاح الاقتصادى (ولكن بشروط) تستوجب ضرورة أن تعى الحكومة ذاتها خطورة المرحلة التى وصل اليها الاقتصاد المصرى، وتبدأ على الفور بإعلانه كـ(اقتصاد حرب) والشروع دون خجل فى إزاحة بعض الوجوة التى فشلت فى إدارة الملفات الاقتصادية، واختيار خبراء اقتصاديين على مستوى عال لإدارة المرحلة، بشكل يضمن السيطرة على التضخم . مع ضرورة إعلان حربا شاملة على الفساد.. وإعادة النظر فى منظومة الدعم التى تلتهم جزء ضخم من الميزانية، ويذهب الجزء الأكبر منها إلى جيوب مافيا القمح، والمطاحن، والمخابز، وموردى السلع، وتجار البقالة التموينية، والبحث عن وسيلة للوصول بالدعم النقدى لمستحقيه.
فرض حالة من التقشف الشامل على السفه السائد فى الإنفاق فى كافة القطاعات الحكومية.. والتدخل السريع لإيجاد حلول للارتفاع المستمر فى سعر الدولار، الذى شل أغلب القطاعات الإنتاجية والصناعية فى البلاد، وأصبح يهدد بكارثة نظرا لتعثر تلك القطاعات عن توفير العملة الصعبة لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وما تبعه من تخفيف حجم العمل والعمالة والإنتاج.
والتدخل لدعم مئات المصانع التى توقف خلال السنوات الأخيرة، دعما للإنتاج وتوفير فرص للآلاف الشباب.. وإزالة البيروقراطية العقيمة التى تعيق التصدير.. ومنع استيراد المئات من السلع الاستفزازية والرديئة.. واستحداث نظام ضريبى يضمن الحصول على مستحقات الدولة من الأغنياء وأصحاب الثروات، وليس صغار الموظفين.
بغير هذا أعتقد أن أموال القرض سوف تذهب هباء، وسيتحول مردوده إلى عبء على مصر اقتصاديا واجتماعيا، نظرا لنتائجه المباشرة التى ستنعكس بشكل مباشر على المواطن، من ارتفاع فى أسعار السلع والخدمات، وما قد يتبعه من كوارث اجتماعية.
ولعل ما يجعلنى أحذر من ألا يتواكب القرض مع إجراءات اقتصادية حازمه، أنه يأتى فى ظل تراجع احتياطى النقد الأجنبى إلى 17.5 مليار دولار، بحكم انهيار حركة السياحة بفعل الإرهاب، وتراجع تحويلات المصريين العاملين فى الخارج بسبب الفارق الكبير بين سعر الدولار داخل وخارج البنوك، وسيطرة مافيا مجهولة فى الخارج على تلك التحويلات، وانخفاض دخل قناة السويس بفعل ركود حركة التجارة العالمية.
أؤكد أن قرض صندوق النقد الدولى قد يكون دافعا لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، إذا ما أحسن توجيهه وأعلنت الحكومة عن إجراءات اقتصادية لا تقل تقشفا وحزما عن (اقتصاد الحرب) دون ذلك، لن يشكل القرض أكثر من تسيير أمور مرحلة وترحيل لأزمات نضعها بشكل مؤقت فوق أزمات وستشكل عبئا على البلاد والأجيال القادمة دون شك.