جرح «عمران» ومات «إيلان» فى وطن هدمته الحروب والطائفية وشرور العالم
«عمران» صرخة الصمت الموجع التى كشفت عورات العالم البغيض، الطفل السورى الذى أبكى العالم، ولم يبكِ فقد بدا شاردًا وهو جالس على كرسى سيارة الإسعاف ليصيبه الذهول عندما مسح وجهه ليختلط دماء وجهه البرىء بتراب يده من حطام منزلهم، فكيف تحمل قلبه الصغير الظلمات تحت الأنقاض، وفيما يا ترى كان يفكر، أعتقد أن ما شعر به ليس ببعيد عما كان يدور فى قلب وعقل «إيلان».
فقلبه الصغير كان يخفق بقوة حتى كاد أن يقتحم ضلوعه، فقد ذبلت ضحكته البريئة، فبراءته وهو ذو الخمسة أعوام لا يجوز أن تتحمل كل ذلك، فكل من حوله يصرخ بلا توقف، ومصدر طمأنته الوحيد أمه لم تتوقف عن النحيب والبكاء، وقد اعتصرته فى أحضانها خوفًا عليه من أصوات القصف فى أرض كان اسمها وطن، ودمار كان من قبل دولة ليصيب البيت قصف الطائرات، فيتخلل التراب كل مسامه وتتلاعب الأنقاض بجسده الملائكى، وهو لا يتوقف عن التساؤل من دون فهم ما الذى يحدث له ولماذا؟ حتى جاءته طاقة نور من رفع الركام وجذبه المسعفون لنرى صورته التى وجهت صفعة مدوية للعالم البغيض.
ومن قبل «عمران» كان الطفل «إيلان» الذى مات غرقًا مع شقيقه ووالدتهما، حيث كانوا على متن قارب فى البحر المتوسط بالقرب من السواحل التركية، فصورته وهو مسجى على رمال الشاطئ فى سباته العميق الهادئ، قد أسقطت ورقة التوت لتكشف عورات العالم، وقبح إنسانيته المزعومة، فكيف نحيا فى هذه الغابة البغيضة، وبأى ذنب قد جرح «عمران» وقتل «إيلان»، ففى النهاية قد ارتاح «إيلان»، وفاز برحلة سفر أبدية إلى عالم بالتأكيد أفضل مما نحن فيه، ليترك رفيقه «عمران» وكل ذوى الضمير معذبين، فبرغم تعودنا على مشاهد الدماء هنا وهناك فى منطقتنا، فإنه تأتى بين حين وآخر بعض الصدمات الكهربائية لتفض الجرح المُضض فنعتصر ألمًا، هذا حال أصحاب الضمير ممن استطاعوا أن يحتفظوا لأنفسهم ببصيص من الإنسانية، أما من ماتت ضمائرهم الذين جنوا على سوريا لبضع سنوات مريرة، فمازالوا فى فجرهم خائضين، فالشعب السورى بات الدواعش أمامه، ومؤامرات أصحاب الأجندات من خلفه، لتتحول سوريا إلى مسرح عمليات للاقتتال الطائفى، ومنصة انطلاق لإعادة تقسيم المنطقة.
ولم يكتفوا بذلك، فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أعلنت أن أكثر من 12 مليون سورى بحاجة للمساعدة للبقاء على قيد الحياة، ورغم ذلك أخذ أراذل العالم والمنطقة فى المتاجرة بأوجاع اللاجئين لأغراض سياسية، وأكثر مثال صارخ يتجسد فى أردوغان فى مشاهد الحنو المزيفة التى يجسدها فى معسكرات النازحين على الحدود السورية التركية، فى الوقت الذى يقمع فيه شعبه بجانب اتخاذ بعض القوى الدولية معسكرات اللاجئين فى بعض الدول العربية ذريعة فى تحويلها إلى «مسمار جحا» لزيارتها من وفود أجنبية بدون «إحم ولا دستور»، وهو ما تنبهت له مصر باكرًا عند استقبال اللاجئين السوريين، ففتحت لهم أرض الوطن بالكامل ليوزعوا، ويندمجوا فى المجتمع المصرى، دونما التمركز فى منطقة محددة وهو ما فوت الفرصة على دول محور الشر.
فى النهاية، جرح «عمران» ومات «إيلان» فى هذه المشاهد المريرة، لأنهم فقدوا جيشهم الذى تفكك وتلاشت بيوتهم التى كانت يومًا ما رقمًا فى شارع، فى وطن هدمته الحروب والطائفية، وشرور العالم التى تحكمه القوة، ولا يعرف للرحمة سبيلًا.. لنحمد الله عز وجل على نعمة الوطن، وأن حمى مصرنا بجيشنا وحفظ أبناءنا ونساءنا من القتل والرق والسبى والشتات، وإن كان مرمى الخطر ليس ببعيد.