لا أدرى إلى متى سيستمر فشل الحكومة الواضح فى معالجة أزمة النقص الشديد فى الدولار فى الأسواق، وعدم اتخاذ إجراءات سريعة ورادعة لمواجهة تلك الأزمة التى مست المواطن الفقير فى كل احتياجاته الرئيسية حتى (الدواء).
فمنذ أيام، تقدمت عدد من شركات الأدوية بطلب للمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، للموافقة على مد المهلة الممنوحة لحل أزمة النواقص من الأدوية بالأسواق، والتى حددتها لهم الحكومة بـ90 يوما، عقب الاستجابة لمطالبهم برفع أسعار 7200 صنفا كانت تقل أسعارها عن 30 جنيها.
ولعل المؤسف فى الأمر، انه رغم زيادة الأسعار وانتهاء المهلة المحددة لحل الأزمة ارتفع عدد النواقص من الأدوية بالأسواق المصرية إلى ما بين 1350 و2000 صنفا، بسبب نفاد المخزون من المواد الخام وتوقف بعض المصانع عن الإنتاج وتلكأ قسم الموافقات الاستيرادية التابع للإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة عن إصدار موافقات لـ 64 شركات تقدمت بطلبات استيراد. فى الوقت الذى لم يستطع فيه البنك المركزى تدبير احتياجات الشركات من الدولار لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع، أو تدبير الاحتياجات الدولارية لـ 55 شركة تقدمت بطلبات للحصول على اعتمادات.
للأسف، أن الأمر لم يحرك ساكن (الباشمهندس) شريف إسماعيل رئيس الوزراء، والدكتور أحمد عماد وزير الصحة، ومعهم طارق عامر محافظ البنك المركزى، لتدارك أمر الأزمة التى لم يشهدها سوق الدواء المصرى من قبل، والتى دفعت بالمرضى إلى البحث عن البدائل المهربة بأسعار تزيد عشرات الاضعاف عن الاسعار الحقيقية، لتزيد من الامهم.
ولعل ما يدعو للعجب، أن الباشمهندس شريف إسماعيل، ومعه وزير الصحة ومحافظ البنك المركزى يعلمون تماما، أن الأزمة ستتصاعد بدءا من أكتوبر القادم، وقد تصل إلى حد الكارثة باختفاء مئات الأصناف الحيوية بشكل تدريجى، نتيجة استمرار عمليات البيع دون تصنيع كميات جديدة، وحاجة موافقات الاستيراد لفتره تتراوح بين 3 و4 أشهر فى الظروف الطبيعية، وإعلان عدد من الشركات بالفعل عن وقف استيراد العديد من العقاقير التى لا غنى عنها لمرضى السرطان والكبد والفشل الكلوى، مثل عقارى "الألبومين والأنتى RH" وغيرها من الادوية، لصعوبة توفير الاعتمادات الدولارية، وسط تأكيدات أن الكميات الموجودة بالأسواق من تلك العقاقير لن تكفى لأكثر من شهر واحد فقط.
للأسف الحكومة غائبة تماما عن هذة الأزمة، التى لم تنتبه حتى اليوم إلى وضع استراتيجية حكومية للحفاظ على صناعة الدواء فى البلاد، بشكل يضمن للدولة السيطرة على النسبة الأكبر من السوق، فى الوقت الذى يؤكد فيه الواقع المؤسف، أن شركات قطاع الأعمال المصرية لا تستحوذ على أكثر من 4% من سوق الدواء المصرى، فى ظل أزمات طالت حتى الشركة القابضة للأمصال واللقاحات، وسيطرة كاملة من الشركات الأجنبية وشركات القطاع الخاص على سوق الدواء، لدرجة أن بعضها بات يشكل اقتصادا خاصا على حساب الدولة، وهو الأمر الذى يستدعى ضرورة إعادة النظر فى ملف صناعة الدواء كاملا فى مصر.
الأمر يتطلب من الحكومة ضرورة تدارك أزمة النواقص بشكل عاجل حفاظا على حياة ملايين المرضى من المصريين، وتدبير الاعتمادات الدولارية اللازمة للشركات، والتدخل بشكل عاجل لإنهاء أزمة موافقات الاستيراد المعطلة لدى وزارة الصحة، ثم البدء فى وضع استراتيجية حكومية تضمن سيطرة الحكومة على سوق الدواء.