انتفاضة الدولة الفرنسية الحالية ضد المايوه الشرعى الإسلامى أو ما يسمى بالمايوه البوركينى، هى انتفاضة تعرى منظومة الحريات فى منبع الحريات الأوروبية التى صارت بالتبعية منظومة الحريات المهيمنة فى العالم أجمع، وأصبحت النخبة فى كل دول العالم الثالث تتطلع إليها بانبهار وهى تحلم باليوم التى تراها مطبقة بالكامل فى البلاد الفقيرة والمستعمرة.
وبعد عقود من اعتماد الأمم المتحدة العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإطلاق الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى شكل أكبر انتصار لمبدأ المساواة بين كل البشر فى الحقوق والواجبات، يأتى سياسيو فرنسا ليعلنوا مبادئ جديدة للحقوق والحريات فى اتجاه واحد، ليعودوا ألف عام للوراء باتجاه التمييز والعنصرية البغيضة على أساس المعتقد والثقافة والتوجه السياسى.
سياسيو فرنسا يعلون من تفسيرهم الضيق لمبادئ العلمانية الغربية ويفرضونها بالقطعة على المختلفين معهم فقط سياسيا وثقافيا وأيديولوجيا، فيمنعون حجاب البوركينى بينما يتركون الراهبات ينزلن البحر بملابسهن الفضفاضة، ويصفون أصحاب التوجه الإسلامى بغير الملتزمين بقواعد وقيم الدولة الفرنسية، الأمر الذى يجعل المايوه البوركينى يعرى أكثر كثيرا مما يستر، فإذا كانت هذه القطعة الصغيرة من الملابس تستر أجساد بعض النساء باختيارهن، فإنها تعرى مساحات التمييز والعنصرية الشاسعة فى الجمهورية الفرنسية.
لا أجد تبريرًا للسياسيين فى فرنسا، لمواقفهم المرتبكة والعنصرية التى ستنعكس سلبًا على كل القيم الحاكمة للمجتمع الفرنسى والأوروبى، وبينما حاولت المحكمة العليا فى نيس وضع حد لانهيار قيم الدولة بإصدار حكم بتعليق قرار حظر المايوه البوركينى، سارع عدد كبير من القادة السياسيين والمرشحين للرئاسة بالمزايدة على حكم المحكمة وإعلانهم رفض الحكم والانحياز إلى منع السيدات اللاتى يرتدين المايوه الشرعى من الشواطئ الفرنسية.
فجأة استخدم أكثر السياسيين والمسؤولين الفرنسيين عبارة «مصلحة البلاد أولا» لتبرير رفضهم حكم المحكمة العليا بنيس، من ساركوزى إلى آلان جوبيه إلى جماعات اليمين المتطرف ورؤساء المدن، وكأن هؤلاء السياسيين بإعلانهم رفض تنفيذ أحكام المحكمة العليا، يحافظون على مصلحة الدولة، وكأنهم لا يقدمون مبررا وذريعة وسابقة لكل من لا يعجبه حكم محكمة بأن يعطل تنفيذه ويتفاخر بهذا التعطيل ولتذهب الدولة الفرنسية إلى الجحيم، أم أن هذا التعطيل والمنع سينسحب فقط على كل ما ينصف المسلمين فى المجتمع الفرنسى؟
ألم أقل لكم إن المايوه البوركينى يكشف أكثر مما يستر؟!