لا تتوقّعوا سماع كلام جيد عن المملكة العربية السعودية فى أية وسيلة إعلامية غربية فى هذه الأيام. تُظهر أدلة متزايدة أن حملة دولية منظمة ومبنيّة على المبالغات تُشَنّ ضد المملكة لتشويه سمعتها فى جميع المجالات تقريباً وتقويض مكانتها القيادية فى المنطقة، مما يُقدّم هدية إلى الإعلام الإيرانى ويمنح زخماً لأعدائنا.
يتّهم سياسيون أمريكيون وبريطانيون ومؤسسات حقوقية زوراً التحالف الذى تقوده السعودية فى اليمن باستهداف المدنيين عمداً فى إطار الجهود التى يبذلها لمساعدة الحكومة الشرعية على بسط سلطتها من جديد ولحماية سلامة الأراضى السعودية.
تأتى هذه الهجمات التى يبدو أنها مدبّرة ومنسَّقة فى أعقاب الخطوة المشينة التى قام بها أمين عام الأمم المتحدة بان كى مون بإدراج التحالف العربى فى اليمن على القائمة السوداء لانتهاك حقوق الأطفال، ليصار إلى شطبه من القائمة بعد بضعة أيام وسط مزاعم بان كى مون المفبركة عن أن الدول العربية لجأت إلى الابتزاز المالى لإرغامه على التصرف بعكس قناعاته.
تكنّ منظمة هيومن رايتس ووتش المعروفة بارتباطاتها الوثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى أيه) ووزارة الخارجية الأمريكية، ضغينة شديدة للسعودية، ومؤخراً انضمت منظمة "أوكسفام" التى يُفترَض بها أن تكون جمعية خيرية حيادية وليس كياناً تحرّكه مآرب سياسية، إلى جوقة مهاجمى المملكة.
يمارس أحد المديرين الكبار فى "أوكسفام" ضغوطاً على الحكومة البريطانية لوقف بيع الأسلحة إلى السعودية مؤكّداً أن الحكومة البريطانية لم تعد من "الداعمين المتحمسين" لمعاهدة تجارة الأسلحة بل أصبحت "أحد أبرز منتهكيها".
تنفى المملكة المتحدة التى تعهّدت بدعم الحملة فى اليمن "من دون المشاركة فى القتال"، أن تكون مبيعات الأسلحة مخالِفة لتنظيمات المعاهدة. قال وزير الشؤون الأفريقية فى الحكومة البريطانية، توبياس إلوود، إن المزاعم الواردة فى تقرير الأمم المتحدة استندت إلى إفادات شهود زور، لافتاً إلى أن واضعى التقرير لم يُجروا بحوثاً ميدانية فى اليمن.
أضاف: "ندرك أن الحوثيين الذين يجيدون تماماً استخدام وسائل الإعلام فى مثل هذا الوضع، يستهدفون عمداً بواسطة مدفعياتهم المناطق حيث السكّان ليسوا موالين لهم، وذلك للإيحاء بوقوع هجمات جوية".
التحية إلى إلوود لأنه حدّد المشكلة بدقة، لكنه من الأصوات القليلة التى تدافع عن الحقيقة فى وجه الدعاية الشرسة. ومن هذه الأصوات أيضاً النائب المحافظ عضو لجنة الدفاع، الكولونيل بوب ستيوارت الذى أشار إلى أن التحالف ارتكب بعض الأخطاء لكنه يبذل قصارى جهده لتفادى سقوط ضحايا فى صفوف المدنيين. لقد أجازت محكمة بريطانية إجراء مراجعة قضائية لتحديد إذا كانت مبيعات الأسلحة البريطانية إلى المملكة العربية السعودية تنتهك قوانين التصدير المرعية الإجراء فى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى.
يستحيل فى الحروب ضمان أمن جميع المدنيين وحمايتهم من القذائف بصورة كاملة، وهذا ما يدركه تماماً الأمريكيون وحلفاؤهم بعد مقتل مئات الآلاف فى العراق خلال الاجتياح والاحتلال حيث استُخدِم الفوسفور الأبيض بطريقة غير مشروعة فى المناطق المأهولة، واعتُبِر اليورانيوم المستنفَد المسؤول عن التشوهات الخلقية التى ظهرت بعد سنوات. يعرف البنتاجون بالضبط ما هو عدد العسكريين الأمريكيين الذين لقوا حتفهم لكنه لم يتكبّد حتى عناء تعداد الضحايا العراقيين.
عام 2001، تعرّضت أعداد لا تحصى من المدنيين للقصف فى أفغانستان، وقد تسبّبت الهجمات بالطائرات بدون طيار فى عهد أوباما بمقتل أكثر من 2600 شخص فى بلدان عدّة، بحسب إحصاءات جرى الإعلان عنها رسمياً، لكن بما أن جميع الرجال الذين هم فى سن الخدمة العسكرية يُصنَّفون فى خانة المقاتلين فى غياب الأدلة التى تثبت العكس، يستحيل تحديد عدد المدنيين بين الضحايا.
كما أن إسرائيل قتلت على امتداد أكثر من عقد، الآلاف من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، وبينهم نسبة كبيرة من الأطفال. قبل بضعة أيام، قصفت إسرائيل غزة فحصدت أرواحاً ودمّرت منازل. تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعى بأشرطة فيديو لأطفال يُسىء جنود إسرائيليون معاملتهم ويجرّونهم فيما يصرخون، أو يطلقون النار عليهم. لا يتمتع الفلسطينيون بأى حقوق، فما بالكم بحقوق الإنسان، ومع ذلك، لا يُسمَح بتوجيه اى بانتقاد لإسرائيل فى حين أن إطلاق الإهانات تجاه السعودية يُعتبَر تصرفاً مقبولاً.
العام الماضى، وافق البنتاجون على تزويد إسرائيل بأسلحة تصل قيمتها إلى 1.9 مليار دولار من دون صدور أى اعتراض عن الكونجرس الأمريكى الذى يناصر باستمرار حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، فيما يُضرَب عرض الحائط بحق السعودية فى منع جحافل الحوثيين الموالين لإيران من اجتياح أراضيها. أسوأ من ذلك، يضغط بعض أعضاء الكونجرس، وعلى رأسهم السناتور راند بول، من أجل التصويت لوقف بيع الأسلحة الأوتوماتيكية والدبابات والذخائر إلى السعودية التى يصفها بول بأنها "حليف غير موثوق ذو سجل سيئ فى مجال حقوق الإنسان".
تأتى هذه الخطوة فى أعقاب مشروع قانون انتقامى وافق عليه مجلس الشيوخ، والهدف منه إفساح المجال أمام عائلات ضحايا 11 سبتمبر لمقاضاة الرياض، هذا مع العلم بأن التقرير الصادر عن لجنة 11 سبتمبر يبرّئ الحكومة السعودية من أى مسؤولية.
فى حال جرى إقرار مشروع القانون الحاقد المدعوم من المرشحَين للرئاسة الأمريكية، تحذّر المملكة من أنها ستعمد إلى بيع أصول تملكها فى الولايات المتحدة بقيمة مئات مليارات الدولارات، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". لقد نفت السعودية صدور مثل هذه التصريحات عنها، لكن من المنطقى تماماً اتخاذ مثل هذه الخطوة. فلماذا الاحتفاظ بأصول فى بلدٍ يتصرّف ضد السعودية بدافع من نوايا عدوانية واضحة؟
حان الوقت كى يبادر مجلس التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم. هذه السلوكيات/الاستراتيجيات غير مقبولة على الإطلاق من دول يُفترَض أنها حليفة لنا، وفى حال استمرت على هذا المنوال، يجب أن تواجه العواقب.
تساورنى شكوك منذ بعض الوقت بأن الغرب يلجأ، فى إطار تصميمه على الإبقاء على سيطرته على الشرق الأوسط، إلى أساليب سرّية لمنع دول المنطقة من التحكّم بمصيرها. الاستقلال يثير الامتعاض، هذا ما اكتشفه جمال عبد الناصر وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وصدام حسين ومعمر القذافى وسواهم، ودفعوا ثمنه.
وجّهت الولايات المتحدة انتقادات لاذعة إلى مصر لإقدامها على قصف إرهابيى "الدولة الإسلامية" الذين قطعوا رؤوس أقباط مسيحيين، كما جرى التقليل من أهمية الجهود التى بذلتها مصر لإنعاش عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، أو تجاهلها. ونظراً إلى غياب السياح بسبب إلغاء الرحلات رداً على قيام الإرهابيين بإسقاط إحدى الطائرات، اضطُرَّت القاهرة التى تعانى من تراجع احتياطى العملات الأجنبية إلى التفاوض على قرض ضخم مع صندوق النقد الدولى مقرون بالكثير من الشروط والقيود.
ولا شك فى أن إثبات السعودية وشركائها العرب وجودهم فى اليمن ليس مستحَبّاً فى دوائر النفوذ فى بعض العواصم. باختصار، أعتقد أن الرسالة الكامنة وراء هذه التصرفات هى الآتية: "اعرفوا حدودكم وإلا نقضى عليكم". يبدو لى أنه آن الأوان كى نبادر نحن أيضاً إلى توجيه رسائل واضحة وقوية.