إن فضيلة الرجل المستقيم أحب «عند الله» من ثور الرجل الظالم «أى من قربان الرجل الظالم»، كانت هذه إحدى النصائح الموثقة فى الحضارة الفرعونية القديمة، التى صدرها كتاب «فجر الضمير» فى نسخته العربية، وأنا لا أعرف ما الذى دفعنى مرة أخرى إلى العودة لقراءة هذا الكتاب المهم، الذى أبدعه الدارس المحب للحضارة المصرية القديمة «بريستد»، وهو الكتاب الذى شغل الدنيا وأنصف حضارة من أقدم وأقوى وأجمل الحضارات فى العالم، وأصبح الناس يحفظون جملة «رجل عظيم كشف عن ماضى أمة عظيمة».
كانت المرة الأولى التى أسمع فيها عن كتاب «فجر الضمير» فى مسلسل للفنان محمد صبحى اسمه «ملح الأرض»، كان دائما ما يتحرك وهو يمسك فى يده هذا الكتاب، بعدها ظللت أبحث عنه حتى وجدته، وكان فارقا بحق فى عالمى، خاصة الجانب الأخلاقى والجمالى.
هذا الكتاب ترجمه العالم الكبير سليم حسن، الذى يقول فى مقدمته: «ولست مبالغا إذا قررت هنا أن خير كتاب أخرج للناس فى هذا العصر من ذلك الطراز هو كتاب «فجر الضمير»، الذى وضعه الأستاذ «برستد» فى عام 1934 وهو فى الواقع مؤلف يدلل على أن مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، بل فى مصر شعر الإنسان لأول مرة بنداء الضمير ، وقد أخذ الأستاد «برستد» يعالج تطور هذا الموضوع منذ أقدم العهود الإنسانية، إلى أن انطفأ قبس الحضارة فى مصر تقريبا عام 525 قبل الميلاد».
يقول الدكتور سليم حسن: «إن بريستد فى سبيل دراسة الحضارة المصرية أنفق ما يزيد عن «ألف ألف جنيه»، أى أن هذا البحث الذى أنصف تاريخنا المهم تكلف مليون جنيه، وعلينا أن نتخيل ذلك الرقم فى بدايات القرن العشرين، أنفق «بريستد» هذا المال بحثا عن الحقيقة حتى وصل إليها واختصرها فى جملة «أن مصر هى البيئة الأولى التى نمت فيها الأخلاق». ومن أكثر الأشياء التى استوقفتنى فى الكتاب قول «بريستد»، «لا شك أن عصر السلاح يبلغ عمره مليون سنة، مع أن عصر الأخلاق قد شق طريق بدايته البطيئة تدريجيا منذ نحو 4 آلاف أو 5 آلاف سنة».
وما أريد قوله، وأشار إليه الدكتور سليم حسن معتمدا على ما قاله بريستد، أن هذا الكتاب يجب أن يقرأه النشء وأن يعرفه الشباب، ويكون مقررا عليهم، لكنى لم أسمع أبدا عن كون «الحكومة المصرية» فى أى عصر من دولتنا الحديثة قد «قررت» أن تجعل كتاب «فجر الضمير» ضمن مناهجها الدراسية، حتى لو قامت بتبسيطه، وسوف يظل الشاب المصرى لا يعرف شيئا عن هذا الكتاب، الذى يعيد الثقة للإنسان إلا عن طريق الصدفة.