مثلما كانت سوريا هى الأرض التى شهدت أكثر تشابكات الصراع والسياسة، فهى أيضًا تشهد بشكل آخر إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بشكل عكسى. ومن يتابع سياقات التحالفات أثناء بدء الحرب فى سوريا، يكتشف الآن كيف تتغير خرائط التحالفات بحكم المصلحة، ويصبح الخصوم السابقون حلفاء، ويعيد كل طرف تحالفاته بحكم مصالحه، فيما يشبه انقلابًا فى العلاقات الإقليمية والدولية، قد تسفر عن حل أو حروب أخرى.
انطلقت طائرات روسية من قاعدة جوية إيرانية لضرب مسلحين فى سوريا، بالرغم من أن العلاقات كانت متوترة، ثم اقترب أردوغان من روسيا، بعد أشهر من توترات كادت تضعهما على شفا الحرب فى أعقاب إسقاط الأتراك طائرة روسية، وموسكو تتقارب مع السعودية، لأسباب اقتصادية ونفطية، للعمل على رفع أسعار النفط، وهو ما ينعكس على العلاقات فى سوريا.
أمريكا ظلت تشن حربًا على داعش، بينما تتغاضى عن تنظيمات أخرى داعشية، مثل النصرة والفتح وغيرهما، وتتحالف مع دول الخليج التى سبق أن دعمت التنظيمات المسلحة.. روسيا تشن هجمات على داعش وتدعم بشار، فهى تتقارب مع تركيا ومع السعودية، من أجل النفط والمصالح الاقتصادية.
أمريكا التى دعمت الأكراد فى مواجهة داعش، تركتهم تحت ضغط الهجمات التركية، والأتراك أنفسهم يعلنون محاربة داعش، بينما الوثائق التى ظهرت مؤخرًا تكشف عن علاقات قوية لتركيا مع داعش، ويتهم الأكراد أمريكا بأنها باعتهم لأردوغان، وأنها تحارب نفسها حسب وصف محللين أمريكيين قالوا إن الموقف الأمريكى فى سوريا يزداد تعقيدًا وغموضًا.
المشهد فى سوريا متشابك، ويحمل الكثير من التناقضات، حيث الحلفاء السابقون يتحولون إلى أعداء والعكس، لدرجة أن تركيا تراجعت عن مطلب تنحى الأسد، وأعلن رئيس الوزراء التركى أن بلاده توافق على حل سياسى فى سوريا، بوجود بشار. وهو انقلاب على مواقف سابقة، لكنه ليس أول انقلاب ولا آخره، وهى انقلابات تفسرها المصالح، وليس الأهداف السياسية.
وكان الدور الروسى هو الذى حرك كل هذه الأوراق، بل وكشف تراخيًا فى مواجهة داعش، واليوم تقول إن هزيمة داعش أصبحت ممكنة خلال فترة قريبة، وهو أمر كان متوقعًا بعد كشف أوراق داعش، وما تزال التحالفات تتغير وتتحول مع توقعات بحروب جديدة.