لا أرى مبررا لطلب الحكومة تأجيل الاقتراح بتعديل قانون رقم 53 لسنة 1973 الخاص بإلغاء (الصناديق الخاصة) على الرغم من أن المشروع يهدف إلى توجيه نحو (500 مليار جنيه) سنويا، يتم ضخها سنويا فى نحو (6000 صندوق) إلى الخزانة العامة للدولة، بدلا من تركها دون رقابة، فى أيدى آلاف اللصوص، لإنفاقها على الحفلات والهدايا والمكافآت للمحاسيب دون وجه حق.
ولعل الغريب فى أمر تلك الصناديق، أنها تشكلت فى كل الوزارات والمحافظات والجامعات والمراكز والمدن المصرية، بموجب ( قرارات جمهورية) لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد، لينفق منها على تحسين الخدمات التى تقدمها الهيئات العامة التابعه لها (وهو ما لا يتم) وترك القانون أمرها فى أيدى المسئولين على اختلاف زممهم، دون أن يؤول مليما واحد من حصيلتها إلى خزينة الدولة، أو تخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو ما جعل أموالها مستباحة وباتت منذ سنوات تمثل ـ الباب الخلفى ـ لفساد بعض قيادات الجهاز الإدارى للدولة من (وزراء، ومحافظين، ورؤساء مراكز ومدن، ورؤساء أحياء، ووحدات محلية وقروية).
حيث يتم صرف أموال تلك الصناديق على هدايا، ومكافآت وهمية لـ (المحاسيب والحبايب) عن اجتماعات ولجان تافهة، وأحيانا دون مستندات رسمية، لدرجة أن أمر السفه وصل طبقا لدعوى ينظرها القضاء الإدارى، أن هناك رئيس جامعة يتقاضى نحو مليون جنيه شهريا من إحدى الصناديق التابعة لجامعته.
ورغم ذلك، فإن الأمر لم يحرك ساكن لوزارة المالية طوال السنوات الماضية، لإعداد قانونا أو تشريعا يسمح بضم تلك الأموال إليها، على الرغم من اعترافها فى وقت سابق أن لديها حصرا شاملا بعمل تلك الصناديق، بل والإعلان عن أرقام مغلوطة وغير حقيقية عن اعدد وأرصدة تلك الصناديق، التى بلغت طبقا لتقديرها (27.275) مليار جنيه فقط، فى حين أن هذا الرقم يمثل أرصدة 10% فقط من أموال تلك الصناديق فى البنك المركزى.
فى حين أن الحقيقة تؤكد، أن 85% من حسابات تلك الصناديق لا تعلم عنها وزارة المالية أو أى من السلطات فى البلاد شيئًا، حيث لم يتم فتح حسابات لها بالبنك المركزى، ويتم منذ سنوات وحتى اليوم، الصرف منها استنادا إلى لوائح عافية تم وضعها دون أدنى رقابة، استنادا إلى نص القانون رقم (53) لسنة 1973، الذى اتاح وتعديلاته الغريبة فى عهد مبارك، لمؤسسات الدولة فتح حسابات خاصة لتلك الصناديق فى البنوك التجارية والخاصة، بعيدة عن البنك المركزى، وهو ما سهل لكثير من اللصوص الانفاق منها طبقا لأهوائهم، وإخفاء الرقم الحقيقى لأموال تلك الصناديق، لتظل بمثابة (مغارة على بابا) التى لا تعلم عن الدولة شيئا.
أتمنى أن تكون الحكومة جادة فى أمر ضم تلك الصناديق، وأن يكون مجلس النواب عند حسن ظن الشعب به، ويتحرك لتعديل القانون رقم 53 لسنة 1973، الخاصة وأن تلك الأموال ستخفف حصيلتها كثيرا من عجز الموازنة.. كما أتمنى أن يستجيب المجلس لطلب عدد من النواب بـ(تشكيل لجنة تقصى حقائق) للتحقيق فى الانحرافات التى شابت إنفاق تلك الأموال طوال السنوات الماضية، خاصة وأن تلك اللجنة قد تأتى بنتائج أكثر من كارثية، وقد تلقى بمئات المسئولين السابقين والحاليين إلى السجون، وتعيد مليارات الجنيهات المنهوبة من تلك المغارات إلى الدولة.