حوادث القطارات تتكرر فى نفس المكان والزمان سنويا والحكومات نائمة
تستشعر أن «العياط» أصبحت كمين عزرائيل لحصد أرواح الصعايدة «الغلابة الشقيانين»، أثناء عودتهم فى قطارات نصف الآدمية، قبل وأثناء الأعياد، محملين ببعض الهدايا البسيطة ومبلغ من المال «يادوب يوفر متطلبات حياة الفقر والبؤس» لأسرهم، وهى العادة السنوية، حيث يودع أبناء قرى ونجوع محافظات الصعيد المختلفة أسرهم، ويتوجهون بحثا عن الرزق فى القاهرة ومدن القناة، ويعودون فى الأعياد لهم.
«العياط» ورغم أنها تشهد تكرارا لحوادث القطارات مرات ومرات وقبل وأثناء الأعياد، فإن الحكومات المتتالية منذ عصر مبارك وما تلاه من عهود، لم تتحرك وتتخذ خطوات جادة لبحث ودراسة أسباب زيادة وتكرار حوادث القطارات فى تلك المنطقة التى ارتوى ثراها بدماء الغلابة.
والسؤال، لماذا تعجز الحكومات المتتالية فى فك لغز كمين عزرائيل بالعياط، الذى يحصد أرواح البسطاء من ملح الأرض؟ وهل استعصى على الدولة إيجاد حلول لكمين الموت المعكر لصفو احتفال الغلابة بالأعياد والمناسبات الكبيرة؟ ألا يستدعى تكرار الحادث فى نفس المكان والزمان الانتباه إلى أن هناك إهمالا جسيما وخطيرا متعمدا يسيطر على أداء الحكومات المتعاقبة، التى تتفاعل مع الحدث وبمرور الوقت يقل الاهتمام، وينسى الجميع، وتعود ريما لعادتها القديمة؟
وفى ظل تكرار الحادث فى نفس المكان وفى نفس التوقيت السنوى، فإن الأمر يخرج من دائرة قاموس التبريرات الحكومية المعدة سلفا والشبيهة بنموذج جاهز، يتم استخراجه لتبرير الحوادث والأخطاء، وإلصاقه بإهمال بشرى يطول السائق والكمسارى، وربما الركاب مثلما حدث فى حريق قطار الصعيد الشهير برقم 832 المتجه من القاهرة إلى أسوان يوم 20 فبراير 2002، حيث اندلع الحريق به بمجرد مغادرته «محطة العياط» وتحديدا عند قرية «ميت القائد»، حيث كان القطار مكدسا بالمسافرين العائدين لقضاء عطلة عيد الأضحى.
حينها خرج علينا الدكتور عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء ، بتصريحات عقب زيارته مستشفى العياط المركزى للاطمئنان على المصابين، بأن الحريق اشتعل بعربات القطار بسبب انفجار «موقد بوتاجاز» فى بوفيه إحدى العربات بالقطار، وامتدت النيران إلى باقى العربات.
تصريح عاطف عبيد، حينها، أثار غضب المصريين واعتبروه تبريرا غير منطقى، ويدعو للسخرية والتسفيه والهروب من المسؤولية، ولا يرقى لمستوى الكارثة التى أوجعت قلوب المصريين من الحادث المأساوى وعدد الضحايا الذى وصل إلى 361 ضحية، وهو ما يصنف بالحادث الأسوأ من نوعه فى تاريخ السكك الحديدية المصرية، البالغ عمرها أكثر من 160 عاما.
ورغم فجاعة الحادث، فإنه تم تقديم 11 مسؤولا بهيئة السكك الحديدية للمحاكمة يوم 27 إبريل 2002، بتهم الإهمال كما تقدم إبراهيم الدميرى، وزير النقل حينها باستقالته، من منصبه، والحقيقة أنه أجبر على الاستقالة، وانتفضت الحكومة فى تصريحات وردية تصدرت صفحات الصحف القومية، وشاشات القناتين الأولى والثانية بالتليفزيون المصرى الرسمى، كلها تتضمن إحداث طفرة كبرى فى مرفق السكة الحديد، والضرب بيد من حديد للمهملين.
ومرت السنوات، وتكرر الحادث بدرجات متفاوتة، من حيث حجم الكارثة، فى نفس المكان والزمان، ودائما تتصدر شماعة «الإهمال» الحدث، لتعليق أسباب الحادث عليها، دون التدخل بشكل جدى وعلمى، لمعرفة أسباب حوادث القطارات فى «كمين العياط» تحديدا، وفى نفس التوقيت السنوى، التى تسبق الأعياد خاصة عيد الأضحى، لوضع حلول قاطعة لها، إلا أن ذلك لا يحدث، ويتكرر الحادث سنويا، ويدفع الثمن الغلابة التى تذهب أرواحهم ثمنا بخسا لإهمال متعمد من المسؤولين الحكوميين.