لم يكن هناك داع أن تقلق الخارجية المصرية بشدة تجاه ما أعلنته كوريا الشمالية من نجاح خامس تجاربها النووية، ولا أن يؤكد متحدثها الإعلامى أحمد أبوزيد «أن هذا الإجراء يمثل تهديدًا جديدًا لنظام منع الانتشار النووى، وإضعافًا لجهود ترسيخ عالمية معاهدة منع الانتشار النووى، وتعزيز دورها فى حظر انتشار الأسلحة النووية، ودعم السلام والاستقرار العالمى».
القلق الحقيقى هو الكيل بثلاثة مكاييل الذى تمارسه الولايات المتحدة.. تساعد إسرائيل على امتلاك النووى والكيماوى، دون أن ترى فى ذلك تهديدًا للأمن والسلم العالميين، وتسمح لإيران التى كانت الشيطان الأكبر بامتلاك قدرات نووية تقود إلى إنتاج اليورانيوم المخصب، وتقيم الدنيا ولا تقعدها بشأن كوريا الشمالية، خوفًا من رئيسها المتهور الذى تهدد صواريخه الباليستية المحملة بالرؤوس النووية الغرب الأمريكى.
أمريكا لم تكن عادلة، وقضت على أى محاولات عربية لامتلاك قدرات نووية، حتى لو كانت سلمية، وقصرت هذا الحق على إسرائيل، لكسر شوكة دول الطوق التى كانت تحلم بتحرير فلسطين، فتحول الحلم إلى كابوس الهزيمة سنة 1967، وتمارس الآن نفس اللعبة القاتلة، بإخراج إيران من القمقم لتكون «بعبع» دول الخليج.
كوريا الشمالية كسرت حواجز الخوف، وأعلنت التحدى والمواجهة، ولم تنجح المخابرات الأمريكية فى تفكيكها، كما فعلت مع الاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية، وتشن حملة أسطورية ضد حاكمها كيم جونج أون، لإظهاره فى صورة الوحش المفترس الهارب من البشرية، وتنشر وسائل الإعلام الغربية قصصًا أغرب من الخيال عن إبداعاته فى قتل خصومه بالكلاب الجائعة، أو تصويب دانة مدفع تكفى لتدمير دبابة إلى صدورهم، ولو صحت لكنا أمام حاكم دموى نادر فى التاريخ.
كوريا الشمالية تجد دعمًا وتأييدًا من الصين والاتحاد السوفيتى، وتخلق حالة من توازن الرعب النووى فى جنوب شرق آسيا، حتى لا تنفرد أمريكا وحلفاؤها ومن ترضى عنهم بامتلاك الأسلحة النووية.
إذا أرادت واشنطون أن تزيل حدة التوتر، وسباق التسلح، وعدم الاستقرار فى شبه الجزيرة الكورية، ومنطقة المحيط الهادئ، والشرق الأوسط، عليها أن تلتزم بتطبيق معاهدة منع الانتشار النووى، ووضع جميع الأنشطة النووية تحت إشراف نظام الضمانات الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية دون تمييز أو استثناء، وهو ما تطالب به مصر منذ سنوات، أما أن تكون المسألة خاضعة للمعايير الأمريكية، فقد يظهر فى العالم زعماء آخرون يفعلون مثل حاكم كوريا الشمالية.