لم يصبر عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية على الدراسة فى جامع الأنور، حيث أحس بجفافها وعقم الطريقة التى تدرس بها فضلا عن رداءة الكتب، وحسب ما يذكره المؤرخ الدكتور عبد المنعم إبراهيم الجميعى فى كتابه «عبد الله النديم - الأعداد الكاملة لمجلة التنكيت والتبكيت» الصادر عن «مكتبة جزيرة الورد»: «وجد فى نفسه ميلا واستعدادا لشىء لا يستطيع منه خلاصا ولاعنه انصرافا، وهو الأدب فخرج من الجامع إلى الشارع أو إلى الحياة الواقعية، فكان بمثابة الجامعة التى تعلم منها كثيرا، وشاهد فيها كثيرا واغترف منها ما يشبع مزاجه وهوايته فى الأدب فأحاط بالحياة الشعبية، وسمع الحكايات والأمثال من شعراء الربابة ونوادر الظرفاء».
ارتاد النديم المنتديات والمقاهى والمجالس الأدبية التى كانت تعقد فى بيوت الأثرياء، ويذكر «الجميعى» أنه نزل فى حوانيت التجار المحبين للأدب الذين يتطارحون الشعر وغير ذلك من فنون الأدب، وفاق أقرانه وتفوق على أساتذته وأشتهر أمره حيث برزت قدراته الخطابية والكتابية.
كانت القاهرة وقتئذ تشهد حضورا لرجل جاء من الشرق يبشر بالثورة هو جمال الدين الأفغانى، وفى مجلسه كان يحضر كوكبة ممن قادوا مصر فى السياسة والفكر، وطبقا لـ«الجميعى»: «حضر النديم مجلسه فاستهوته أفكاره الجريئة، وانخرط فى سلك تلاميذه وتعلم منه حرية البحث والنقد والجرأة فى الدفاع عن الحق، فتشبع بمبادئ الوطنية وتشرب منه مبادئ الحرية، ولما لاحظ الأفغانى فى النديم نبوغه وقوة حجته فى المناظرة والجدل وسرعة بديهته ووضوح دليله إن كتب أو خطب أخذ يدربه وأعطاه من وقته واهتمامه الكثير لثقته فى أنه سيكون الرجل المؤثر فى عواطف الجماهير».
ثقف «النديم» نفسه ثقافة حرة واسعة النطاق وغير مقيدة بمنهج دراسى أو غيره مما جعله موسوعيا فى فكره، فكتب فى الأديان والحكمة والتاريخ والأدب كما التجأ إلى النشاط السياسى وعمل على توسيع قاعدة النضال الوطنى بتحويل المجتمع كله إلى قوة وطنية ضاربة، ونتيجة لذلك قدم النديم أفكاره عن طريق الصحافة فى محاولة منه لتكوين رأى عام يقف ضد الظلم الواقع على أبناء مصر سواء من الداخل أو الخارج وشجعه الأفغانى على ذلك.
اجتمعت لدى «النديم» كل الخصال التى تؤهل الإنسان لدور تاريخى، وكانت الصحافة إحدى وسائله فى تجسيد هذا الدور.
وغدا نواصل