فى الأعياد والمناسبات دائما ما يعيش الكبار، بعد أن يغادروا شبابهم حالة من الحنين للماضى، كل جيل يظن دوما أن ما عاشه هو الأهم والأفضل، ونرى سجالات بين أجيال الثمانينيات والسبعينيات والستينيات والتسعينيات، على صفحات فيس بوك يعرض البعض صورا لأشياء كانت تمثل موضة، ومع الوقت صارت تراثا وذكرى شرائط الكاسيت وابور الجاز السلم والثعبان.
وفى العيد يسترجع البعض ذكرياته مع أهله وأصدقاء طفولته والمصروف، يصور الجنيه أو الخمسة جنيه وهناك أجيال بدأت من البريزة، العشرة قروش، قبل أن تصبح البريزة عشرة جنيهات فى الثمانينيات ثم مائة جنيه فى التسعينيات من القرن العشرين.
نقرأ على صفحات التواصل بوستات حزانى ترثى زمن اللعب والبساطة والفرح المجانى، وأن العيد لم يعد فى بهجة زمان، يمد البعض الحنين على استقامته ويعلن نهاية السعادة وعصور الأحزان المطلقة والكآبة. ويختلط العام بالخاص والمستطيل بالمربع فى سمفونيات العزف الكئيبة التى تعلن انتهاء الضحك وفقدان البهجة.
وينسى أصحاب نظريات الحنين المعلب أنهم كبروا، وأن الواحد يصنع ذكرياته فى طفولته، وما أن يبلغ مشارف الشباب حتى يبدأ فى التمرد على عالم طفولته وارتباطه بالأهل، وينفصل إلى عالمه رافضا اختيارات الأهل، وما أن يتجاوز نصف عمره حتى يظل فى حالة حنين للنصف الأول، وكلما مرت السنوات تبقى الذكريات أكثر وضوحا، الواقع أن الواحد يتغير ويكبر، ويحاول استعادة عالمه البسيط البرىء، من دون جدوى، ويظل نصف عمره يسترجع ذكريات النصف البعيد.
ومن مفارقات الحنين هذه، أن من يفتقدون لذكريات زمان يتجاهلون أن الألعاب كانت مادية، لم تكن الآلات واللعب المكهربة ولدت إلا قليلا، وحتى الأتارى أصبحت تراثا، وحل زمن البقاء بالساعات محدقين فى شاشات، وكل واحد يبكى على زمن طفولته ويظن أن العالم أصبح أكثر كآبة، بينما الفرد أصبح أكثر انعزالا.
ومن عاصروا الخمسينيات والستينيات يتذكرون أن الحنين كان فقط للأجداد من عمر السبعين وطالع، كانوا يحدثونا عن زمن البيضة بمليم، والفدان بأربعين جنيها، لم يكن كثيرون يمتلكون الكثير.
ثم أن الثلاثين عاما الأخيرة فقط قلبت الدنيا، أصبح كل شىء قريبا ومعروضا، الكل يعرف ويتحدث، شباب لم يتجاوزوا الثلاثين يحنون لعشرين عاما مضت، يراها الكهول بالأمس.
ومع هذا نرى أطفالا وصبيانا يلعبون فى الشوارع وينطلقون ببلاهة وبراءة ومعهم كبارا يشعرون ببهجة العيد بينما ينظر البعض داخل نفسه ليقول إن العالم لم يعد جيدا.