لم يحظ حادث قطار العياط الأخير الذى أسفر عن وفاة 5 مواطنين وإصابة 31 آخرين بنفس الضجة والاهتمام الذى حظيت به الأربعة حوادث التى وقعت على نفس الخط فى نفس المنطقة على مدار سنوات، وأهمها حادث قطار الصعيد الذى احترق وتفحم فيه ما يقرب من 400 مواطن طبقا للإحصائيات الرسمية عام 2002.
ربما لأنه لم يعد يدهشنا وقوع حوادث على هذا الخط لكثرتها، وربما لأننا تعودنا على الأرقام الكبيرة فى عدد الضحايا ولم يعد يدهشنا أو يفزعنا سقوط 5 قتلى فقط مقارنة بأعداد الضحايا فى حوادث القطارات السابقة.
تصريحات المسئولين لم تختلف حول أسباب الحادث، والتى يتم دائما حصرها فى عامل التحويلة أو سائق القطار، والتأكيد على محاسبة المخطئ وتشكيل لجان فنية لمعرفة الأسباب ،والحديث الطويل والممل الذى استمر لسنوات طويلة حول تطوير منظومة السكة الحديد، والذى لا يتجاوز مرحلة التصريحات ثم نصطدم بحادث جديد، قد تلجأ الحكومة بعده لإقالة وزير النقل لتهدئة الرأى العام بحسب عدد الضحايا وبشاعة الحادث.
تاريخ طويل من الإهمال والاستهانة بأرواح المواطنين ووعود كثيرة لم يتم تنفيذها منذ عهد مبارك وحتى الأن
رغم تغير الوزراء والحكومات، وهو ما يؤكد أن إقالة الوزير أو حتى إقالة الحكومة ليست حلا لعلاج الإهمال المتأصل فى السكة الحديد.
كان حادث قطار الصعيد عام 2002 أشهر وأبشع حوادث القطارات بمنطقة العياط، وتم على إثره إقالة إبراهيم الدميرى وزير النقل والمواصلات، وتعهدت حكومة عاطف عبيد وقتها بإصلاح منظومة السكة الحديد، ولكن تبخرت هذه الوعود، ووقعت العديد من الحوادث فى نفس المنطقة ونفس الخط ولنفس الأسباب.
وفى عام 2009 وقع حادث تصادم قطارين على طريق القاهرة – أسيوط، بالعياط ما أدى إلى مقتل 30 شخصًا وإصابة المئات، وبعدها تقدم محمد لطفى منصور، وزير النقل باستقالته.
وفى عام 2010 اصطدم قطار الصعيد بسيارة نقل محملة بالطوب أثناء عبورها المزلقان بنفس المنطقة فى العياط، وفى يناير من العام الحالى وقع الحادث الرابع فى نفس المكان بمزلقان البليدة بالعياط، حيث اصطدم القطار بسيارة نقل تحمل عمال وأدى لوفاة 6 أشخاص وعددا من المصابين.
وبعد هذا الحادث أصدرت وزارة النقل تقريرا اعترفت فيه بتطوير 118 مزلقانًا فقط من إجمالى 1332 مزلقانًا على مستوى الجمهورية، وألقت الاتهامات على الحكومات السابقة مؤكدة أن هذه الحكومات أنفقت ملايين الجنيهات ولم تقم بتطوير المزلقانات، وأن محافظة الجيزة ومنطقة العياط بها 40 مزلقانًا تم تطوير 8 فقط منهم، وأن الدولة كانت متعاقدة مع شركات أجنبية، وبعض هذه الشركات تقاعست عن التنفيذ، وأكدت الوزارة فى تقريرها أنه سيتم التوريد والتركيب اعتبارًا من شهر أبريل القادم.
ولكن تم تغيير وزير النقل سعد الجيوشى فى مارس من العام الحالى، ليتولى الوزارة الدكتور جلال السعيد
حتى وقع حادث العياط الأخير، وعاد من جديد حصر الاتهامات فى هذه الحوادث بين السائق أو عامل التحويلة رغم تهالك المنظومة وما تعانيه من إهمال، وهو ما حدث فى حادث العياط الأخير حيث تم القبض على سائق القطار وعامل التحويلة بتهمة الإهمال والقتل الخطأ، رغم تأكيدات السائقين وعمال التحويلة دائما على وجود عيوب خطيرة فى منظومة عمل القطارات والمزلقانات وهو ما يتسبب فى وقوع الحوادث.
وعلى الرغم من وقوع العديد من الحوادث فى منطقة العياط لا يزال مزلقان «البليدة» يعمل بشكل يدوى ولم يدخل ضمن خطة تطوير المزلقانات التى أعلنت عنها وزارة النقل مرارا وتكرارا.
لن تتوقف حوادث القطارات طالما نلقى الاتهامات فى كل مرة على السائق أو عامل التحويلة، وطالما يطلق المسئولون تصريحات من عينة ما أطلقه رئيس هيئة السكك الحديدية من أن تكرار الحوادث بمنطقة العياط مجرد صدفة، وطالما يتكرر الحادث أكثر من مرة دون أن نبحث عن الأسباب الحقيقة ونعالجها، ودون أن يتعجب المسئولون من تكرار الحادث قبل أن تمر 48 ساعة فى منطقة أخرى بالمنوفية نتيجة خروج الجرار والعربة الأولى من قطار القاهرة طنطا خط منوف عن القضبان أثناء دخوله المحطة.
لن تتوقف كوارث حوادث القطارات بتغيير وزراء النقل لامتصاص الغضب الشعبى فى الحوادث الكبيرة، ولا حتى بتغيير الحكومات طالما نتبع نفس السياسات.
ستزداد حوادث القطارات عاما بعد عام كما رصد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الذى رصد زيادة عدد حوادث القطارات فى عام 2015 عن سابقه 2014 بنسبة 18.3 % حيث بلغت فى 1235 حادث فى 2015 مقابل 1044 فى 2014 بسبب عدم الاهتمام بتطوير المزلقانات.
وعلينا أن ننتظر كوارث جديدة قد تفوق حادث قطار الصعيد بشاعة طالما نتبع سياسة المسكنات دون حل لجذور المشكلات، ودون خطة حقيقية لتطوير هذا المرفق الهام تستمر ولا تتوقف مهما تغير الوزراء والحكومات.