الذين ينتقدون الدولة ويتباكون على حال الغلابة هم من المليونيرات الباحثين عن زيادة ثرواتهم
تعالوا نجلس سويًا فى قاعات «العقل»، ونستخدم أدوات «المنطق»، لتشريح الحالة التى نعيشها، لنعرف ما تسكنه قلوب وأحشاء الذين يتصدرون المشهد، ويتحدثون باسم الفقراء والغلابة والشباب النقى الطاهر.
البداية، هل نتفق على أن معظم رجال الأعمال فى مصر كونوا ثرواتهم الضخمة فى عهد مبارك؟
بالطبع نتفق، وأن الاختلاف فيما بينهم حينذاك كان صراع الاستحواذ على تورتة المشروعات التى سيحصلون عليها، فرجال الأعمال الذين أبعدهم الحزب الوطنى كانوا يحملون كراهية كبيرة لرجال الأعمال من أعضاء وقيادات الحزب الحاكم، واتهامهم بأنهم يحصلون على التورتة بأكملها، ولا يتركون إلا الفتات، رغم أن هذا الفتات ضخم للغاية.
من هنا تولدت الكراهية المفرطة لرجال الأعمال فيما بينهم، مع الوضع فى الاعتبار أن الجميع استفاد بشكل أو بآخر، وبدرجات متفاوتة، من منظومة «البزنس» فى عهد مبارك، وكونوا ثروات طائلة.
وعندما اندلعت 25 يناير، تصدر رجال الأعمال الذين كانوا يحملون من الحقد والكراهية لنظرائهم المنتمين للحزب الوطنى، ووجدوا فرصتهم فى الانتقام والتشفى منهم، ورسم الخطط، واغتنام الفرصة للانطلاق، وتحقيق المغانم والمكاسب لزيادة ثرواتهم.
ووجدنا هؤلاء يهيلون التراب على الأوضاع السياسية والاقتصادية فى عهد مبارك، والترويج بشكل مبالغ فيه عن حجم الفساد وتهريب المليارات خارج البلاد، وعدم عدالة التوزيع، وهنا نطرح السؤال الأهم: إذا كان عصر مبارك فاسدًا فهل حضراتكم استثناء عن هذا الفساد؟، والإجابة، وحسب نظرية القياس فى علم المنطق، تقول إنه إذا كان النظام فاسدًا، فالجميع استفاد من هذا الفساد بشكل أو بآخر.
هؤلاء الأغنياء تلاقت مصالحهم مع النخب الفاسدة والمشتاقة للسلطة، ونشطاء السبوبة، ووضعوا خطة تحقيق المغانم، والتأكيد على أن مرحلة ما بعد 25 يناير هى مرحلتهم، فكانوا يتركون الغلابة والبسطاء فى الشوارع يهتفون برحيل النظام، فى حين يهرولون هم للقنوات الفضائية، يدغدغون مشاعر الناس بشعارات وهمية من عينة «عيش حرية كرامة إنسانية»، و«توزيع عادل للثروة»، والحقيقة أنهم كانوا يعقدون الصفقات خلف الكواليس لتقسيم المال والسلطة.
لكن القدر لم يمهل هؤلاء لتحقيق ما كانوا يخططون له، ووقف لهم بالمرصاد للمرة الثانية، حيث قفز الإخوان للمشهد، واستولوا على الحكم، وسيطر رجال الأعمال المنتمون للجماعة الإرهابية بقيادة الثنائى خيرت الشاطر، وحسن مالك على كل شىء، وبدأوا الاستحواذ على المشروعات بـ«قوة الدراع».
وبعد ثورة 30 يونيو، تنفس لوبى رجال الأعمال «الانتهازى» الصعداء، واعتقدوا أن الحظ ابتسم لهم من جديد، وأن الفرصة واتتهم بعد إزاحة رجال أعمال الحزب الوطنى، ثم رجال أعمال الإخوان، ويظهر ذلك فى التلبية السريعة لدعوة عبدالفتاح السيسى عندما قرر ترشيح نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية، وفى أثناء الاجتماع صدموا من طلب «السيسى» بضرورة التكاتف ومساندة الدولة بالتبرع بمائة مليار جنيه لصندوق دعم الدولة، الذى تغير اسمه فيما بعد إلى صندوق «تحيا مصر».
وهنا أدرك لوبى رجال الأعمال «الانتهازى» أن كل الطرق أغلقت أمام زيادة ثرواتهم، وبدأوا يترحمون على أيام «مبارك» الخوالى، التى كونوا فيها ثرواتهم الضخمة، ورفضوا التبرع لصندوق دعم الغلابة والفقراء.
هؤلاء يخرجون الآن فى نكتة سمجة ومقيتة، يطالبون بثورة جياع 11/11، وهنا لنا أن نسأل: كيف لأغنياء كونوا ثرواتهم من دم الغلابة، ورفضوا التبرع بجنيه واحد لصندوق دعم البسطاء، أن ينادوا بثورة جياع؟
هؤلاء الأغنياء الذين ينفقون أموالهم فى عيادات ومراكز التخسيس من أثر التخمة، ويقضون الصيف فى المنتجعات السياحية الفاخرة فى الداخل والخارج، ويمتلكون الطائرات واليخوت، ولم يقدموا مليمًا واحدًا لفقير، ورفضوا مساندة الدولة، كيف لهم أن ينادوا بثورة جياع؟، هل نحن المصريين سذج إلى هذا الحد؟
كل الذين ينتقدون الدولة، ويتباكون على حال الغلابة، مليونيرات من رجال أعمال ونخب وإعلاميين ونشطاء، والجميع يقتات ويغتنى من الفوضى، إلا الفقراء!
نعم الفوضى والثورات زادت وتزيد الأغنياء غنًى، والفقراء فقرًا وبؤسًا، لذلك فإن الذين يدعون من جديد لفوضى وثورات، والدفع بنفس الوجوه المدمرة العابسة لصدارة المشهد، إنما يريدون قتل الفقراء والبسطاء جوعًا، وتدمير بلادهم، وخلق أزمات كهرباء وسولار وبنزين، وانفلات أمنى واختطاف وقتل وخراب، يسدد ثمنه الفقراء والبسطاء فقط.
وأثبتت كل التجارب أن جيش مصر هو الوحيد الداعم والمساند للفقراء والغلابة!