عودتنا أغلب المدارس الاقتصادية على علاقة ربط عكسية بين قيمة العمل (أى الأجور) بالأرباح، بحيث لا يمكن أن يقع ارتفاع فى قيمة العمل دون أن ينتج عنه انخفاضاً واضحاً فى أرباح المنتج.
تلك القاعدة الاقتصادية بنيت على أن العمل جزء لا يتجزأ من تكلفة الإنتاج، وعليه فى حالة ثبات كافة العوامل الأخرى (أى باقى عناصر الإنتاج)، فتلك العلاقة العكسية واضحة بين معدلات الربح والأجور. لذا كلما زاد الأجر انخفض الربح والعكس بالعكس. ولكن بإدخال تغيرات أخرى قد تكون أهم فى عنصر التكلفة وبالتالى الربح للمستهلك مثل (نسبة رأس المال الثابت إلى نسبة رأس المال الكلى)، حينئذٍ تختلف النتيجة. ولذلك نخلص إلى أن درجة التغير فى القيمة النسبية للسلع نتيجة لارتفاع أو انخفاض قيمة العمل إنما تتوقف على نسبة رأس المال الثابت أى الأجور إلى رأس المال الكلى ( أى الأجور ورأس المال معا ) وهنا يظهر الفرق، بحيث أن أى ارتفاع يحدث فى الأجور فى حالة انتاج سلعة تنتج بواسطة الالات الحديثة عالية التكلفة أو المبانى عالية الثمن أو حتى التى تتطلب وقتاً طويلاً لتنزل إلى الأسواق فتنخفض قيمتها النسبية، فالوضع هنا يختلف فى حساب قيمة السلع. حيث تجد أن السلع التى تعتمد أساساً فى انتاجها على العمل الكثيف تطلب وقتاً طويلاً حتى تنزل إلى الأسواق، فترتفع قيمتها النسبية. أما إذا كانت السلع تنتج فى نفس الظروف ولكن تعتمد على رأس المال اكثر من العمل، فإن قيمتها النسبية لا تتأثر كثيرا بتغير الأجور. إلا أن ارتفاع الأجور فى حد ذاته يكون له أثر فى القيمة النسبية فقط عند اختلاف نسبة رأس المال الثابت إلى رأس المال المتغير (مثل انتاج المشروبات الغازية والأثاث). وعلى ذلك فإن تغيرات الأجور لا تؤثر فى القيمة النسبية للسلع إلا فى حالات اختلاف نسبة رأس المال الثابت إلى المتغير فيها.
ومن هنا يتضح أن أى اختلاف فى نسبة تقسيم رأس المال إلى ثابت ومتغير يؤدى إلى تغيير القاعدة التى تحكم قيمة المبادلة فى حالة الاقتصار على العمل وحدة فى الإنتاج، وهى القاعدة التى تنصرف إلى أن القيمة النسبية للسلع لا تتغير إلا تبعاً لكمية العمل النسبية المستخدمة فى الانتاج. فبالرغم من عدم اختلاف كمية العمل المستخدمة فى انتاج السلع فإن الارتفاع فى قيمته (أى فى سعر العمل) تؤدى إلى انخفاض قيمة مبادلة السلع التى يدخل رأس المال الثابت فى انتاجها بالنسبة لقيمة السلع التى لا يدخل رأس المال الثابت فى إنتاجها بنفس الكثافة، كما يؤدى إلى انخفاض قيمة المبادلة للسلع التى يدخل فى انتاجها رأس المال المتغير بكثافة أكبر، بالنسبة لقيمة السلع التى لا يدخل فى إنتاجها رأس المال الثابت إلا بنسبة قليلة. وعليه كلما ارتفعت كمية رأس المال الثابت فى استثمار ما، كلما انخفضت قيمة إنتاجها. وعلى العكس من ذلك كلما انخفضت كمية رأس المال الثابت فى استثمار ما كلما ارتفعت قيمة إنتاجها.
وعليه ننتهى إلى أن الأجور تلعب دورها فى تحديد قيمة المبادلة للسلع لكونها العنصر الأساسى لتحديد كمية العمل، أى رأس المال الثابت، فى أى استثمار. وكما اوضحنا كلما ارتفعت الأجور، ازداد الانخفاض فى القيمة، والعكس بالعكس. ولكن يظل هذا التحليل ناقص الجوانب الفنية، اذ وقف فقط عند الأجور كأساس لتحديد القيم فى أى استثمار. وكان يجب أن يدخل نسبة رأس المال المتغير إلى رأس المال الثبت فى حساب معدلة التكاليف، حتى يمكن تحديد قيمة المبادلة الحقيقية لأى سلعة بشكل اكثر واقعية. وهو ما يجب أن يأخذ به فى اعتبارات تكلفة الاستثمار العام أو الخاص فى مصر.
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.