لا أخفى عليك، فقد حزنت كثيرا حينما شاهدته على هذا الحال، فتلك الأغنية كانت موالا وجدانيا للشعب المصرى، الذى اختيار أن يكافح من أجل حياة أفضل، والانحدار يأتى كإعلان وفاة الروح، التى حملت هذه الأغنية، وسارت بها نحو الميادين لتطالب العيش والحرية والعدالة والمحبة، لتجمع ما تبقى من روح مصر لتبعث من جديد، لكن المصادفة غير السعيدة وضعتنى لأشاهد إحدى حفلات الفنان أحمد سعد على قناة النيل للمنوعات، وفى الحقيقة لم أشعر بغير الأسى على هذا الفنان الذى أحبه، فقد أراد الفنان أن يغير جلده، وأن يغير الصورة الذهنية التى اشتهر بها كأحد الفنانين من أصحاب المواهب الصافية، فبدلا من أن يطور أداءه مجتهدا فى أن يجد معادلة عصرية تليق بشخصيته الفنية، التى أشتهر بها وتضعه فى صدارة المطربين، انزلق إلى محاولة إرضاء الأذواق المغايرة لأذواق محبيه، وأصبح باختصار صورة باهتة من «مطربى التكاتك» مثل الذين رقصوا على السلم، لا يعجب بهم سكان الأعالى، ولا يراهم من هم أدنى، فتجسد أمامى وكأنه صورة حية عن واقع يجتهد فى أن يصل إلى أدنى مراتب الهبوط.
كنا نسمع قديما أن هذا الفنان أو ذاك رفض أن يغنى أحد أغنياته حفاظا على تاريخها، وحينما كان يسمح ملحن أو مطرب كبير بأن يغنى مطرب آخر أغنياته، كانت الدنيا تقوم ولا تقعد، وهو ما حدث حينما سمح الموسيقار العظيم محمد عبدالوهاب لوليد توفيق بأن يغنى بعضا من أغنياته، فالألحان «أمانة» ولا يجب أن توضع فى يد «آخر» يعبث بها، أو يغير فى منطقها وقواعدها أو أسلوب تقديمها، فلما لنا وقد سمح «أحمد سعد» لنفسه بأن يشوه نفسه بنفسه، وأن يرقص على الحبال ليظفر برقصة هنا أو صقفة هناك.
المطرب الذى يتمتع صوته بنبرة نادرة، وتتمتع أغنياته بشخصية مميزة أصبح–على ما يبدو – غير قانع بما حقق، وغير مؤمن بشريحة المستمعين التى تفضله، فأراد إرضاء الجميع بتغيير شخصيته الفنية فغير من أدائه، وشوه من ألحان أغنياته ليضيف فيها مكانا للـ«هبه يلا».. و«معانا ع الصقفة» و«أوى أوى أوى»، بالإضافة إلى الأصوات غير المفهومة التى وضعها أجمل أغانيه- مش باقى منى- التى كتبها الشاعر الكبير «جمال بخيت» ولحنها بعبقرية الفنان أحمد إسماعيل فشوه الأغنية وشوه تاريخها، كما شوه الظروف السياسية التى أنتجتها، والظروف السياسية التى راجت فيها، عابثا فى وجدان من أحبوه وقدروه ووضعوه فى المكانة التى يكاد ينزلق منها، مجسدا حالة الانحدار التى نعيشها.