في عزاء الشهيد ايهاب لطفي أحد ابطال المواجهات الدائرة على أرض سيناء ضد الإرهاب عرفت من شقيقه أحمد أن مشكلة المشاكل بعد رحيل إيهاب أن أحدا من العائلة لا يعرف الطريقة المثلى لأبلاغ الطفل الذي تركه الشهيد إيهاب يتيما بخبر رحيل الأب .. الأب الذي ترك له سيرة بطل و بعض من ذكريات أثق بأن الطفل ابن التاسعة سيذكرها بقية عمره .. ذكريات مع " بابا" الذي راح .. طبعا نتغنى كلنا يوم استشهاد الشهيد ببطولته و بحبه للوطن و لا مانع من بعض الجمل البليغة التي تشي بالشهامة و الجدعنة و أن ابناء الشهيد ابناء الوطن و كلنا في خدمتهم و ما إلى ذلك .. لكن مع الوقت ننسى .. كما ننسى أي شيء .. و لا يبقى لأبن الشهيد أو اسرته الا بعض التكريم و الرعاية من جهة العمل .. بعض المقالات .. كلمات هنا و هناك في برامج المساء .. لكن في النهاية لا يجروء أحد على ابلاغ طفل الشهيد بأن أباه قد جاد بروحه لوطنه .. بابا مسافر يا حبيبي .. لكن لا أحد يجيب على السؤال المر : هايرجع امتى !
بكل هذا الوجع الناجم عن مشهد طفل لا تستطيع أمه مصارحته بأنه لن يرى أباه مرة أخرى .. بكل هذا الغم اكتب هذة الكلمات و هي موجهة للمشير قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي .. اتحدث هنا للرجل العسكري و هو شيء تحت الجلد و يسري مسرى الدم .. هل تشاهدون تلك الصور .. أعرف أن الرئيس قد شاهدها .. إنها عربات جمع القمامة في العريش .. كما يبدو فأنها محترقة عن بكرة أبيها .. كما يبدو ايضا فأنها متراصة بجانب بعضها البعض و ذلك لأنها كانت في جراج الشركة المسؤولة عن جمع القمامة في العريش .. منذ فترة طالعنا خبرا صغيرا يبدو هامشيا في غمرة المواجهات يقول أن عناصر ارهابية استطاعت احراق جراچ شركة جمع القمامة .. الارهابيون أيضا هددوا عمال جمع القمامة بالقتل اذا ما بادروا إلى نقلها .. كل هذا لسبب بسيط .. الأرهابيون دأبوا على زرع عبواتهم الناسفة في أكوام القمامة .. عمال القمامة اصبحوا حائط صد أول .. هم أول من يضع يده في اكوام القمامة .. أول من يكتشف القنبلة و يبلغ الجيش .. يحضر فورا المختصون فيفككونها و يحمون الناس من شرها .. كل يوم ينجح عمال القمامة الشجعان بل و الابطال في كشف قنبله هنا أو هناك .. فكر الارهابيون في عقاب رادع للعمال الشرفاء المتعاونون مع جيش بلادهم .. المعبرون عن الانتماء لدولتهم .. فكان القرار حرق مقر شركة جمع القمامة و كامل اسطولها من السيارات .. و بالتالي تسريح العاملين بها !!
و هنا نحن أمام معضلة و ليس مجرد حادث ارهابي .. اتحدث هنا في حب في مصر - بس بجد - نحن امام ارهاب يمتلك خيال ليفلت من براثن ضربات قوية وجهها الجيش في الشيخ زويد و رفح فإذا به يستهدف مظهر من مظاهر تواجد الدولة من باب قد يراه البعض تافها .. جمع القمامة .. تخيلوا حين يقول الارهاب لدولة لن امكنك من نشاط بسيط للغاية .. تنظيف الشوارع يوميا من القمامة .. لكن هذا النشاط اليومي في حقيقته من أهم علامات قدرة الدولة على التواجد .. تخيل معي حين يقوم الارهاب بنشر المزابل في شوارع العريش فيسأل المواطن هناك .. أين الدولة ؟! .. أين وزير البيئة خالد فهمي ؟!
أين السيد الدكتور احمد ذكي بدر ؟! .. لماذا لم يهرع إلى العريش يقود اسطول سيارات نظافة أوله في القاهرة و أخره في العريش و يشرف بنفسه على رفع اكوام القمامة التي تملأ شوارع المدينة المرهقة بأرهاب أسود و شرس في رسالة لقلب و عقل المواطن السيناوي أن الدولة معك .. مصر معك يا سيادة المواطن تراها في الشارع وزيرا و محافظا بدلا من أن تراها فقط على شاشة التليفزيون أو في الأغاني الوطنية .. أكوام القمامة في شوارع العريش ليست فقط وسيلة لأظهار غياب الدولة و قدرة المسلحين .. و لكنها وسيلة لإعاقة عمل قوات الشرطة و الجيش .. ففي قلب كل مزبلة يسهل وضع قنبله .. لا اريد أن أسمع مجنونا يطالب القوات المحاربة هناك بأن تتصدى أيضا لجمع و نقل القمامة !!
بعد مشهد تسليك بلاعات اسكندرية .. هناك دولة و حكومة و وزراء اما أن نراهم على أرض الواقع يقومون بعملهم و يظهرون الدعم للمواطن السيناوي أو فليحكوا لنا كيف تمكن تنظيم ارهابي من منع دولة بحجم مصر من ممارسة ابسط نشاط يومي في عاصمة محافظة .. جمع القمامة من الشوارع .. الجيش يحارب الارهاب و يحقق انتصارات في رفح و الشيخ زويد و يقدم شهداء .. لكن في العريش حيث الدولة .. حيث عاصمة المحافظة .. يبدو أن عدوا أخطر من الارهاب علينا محاربته إسمه غياب الرؤية و فقر الخيال .. و ذلك لو تعلمون أخطر .. و إلى أن يعي من لابد له أن يعي و إلى أن يتحرك من لابد من تحركه .. مستمرون في البحث عن وسيلة لإبلاغ طفل الشهيد إيهاب بأنه لن يرى أباه مرة أخرى .. و أنه شهيد .. و أنه بطل