تصلح جنازة شيمون بيريز نموذجًا لحالة رد فعل عربية بعيدًا عن الأفعال، وكأنها جنازة لطريقة عقيمة فى التفكير.. تفرغ المعلقون لتحليل انطباعات ونوايا من حضروا الجنازة، ولم ينتبهوا إلى حجم مشاركة دول العالم وزعمائها، وكيف ذهب الرئيس الأمريكى باراك أوباما والرؤساء السابقون بمن فيهم بيل كلينتون، بحثا عن دعم فى الانتخابات الأمريكية. والتعامل مع الحدث لم يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة، تركز فى تحليل تعبيرات وجه الرئيس الفلسطينى أبو مازن، وما إذا كان يبكى على بيريز أم على نفسه، وأفرغ كل طرف مواقفه المسبقة رفضًا أو تبريرًا.
الأمر أكبر من حضور فلان وبكاء علان، مرشحو أمريكا يبحثون عن دعم يهودى فى الانتخابات الأمريكية، والأفارقة كانوا حاضرين، مثلما كانت إسرائيل حاضرة فى أفريقيا، ونسينا ما جرى فى يوليو الماضى عندما ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى كمبالا يتوسط زعماء أوغندا وإثيوبيا وكينيا وجنوب السودان ورواندا وتنزانيا وزامبيا.ضمن جولة كشفت عن حجم التغير فى خرائط المصالح والعلاقات الدولية.. يومها كان شعور الصدمة يسود لدينا، مثلما فى كل حدث. لم نقرأ الصورة من زواياها المختلفة، وأن إسرائيل لها علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية وتسلحية واستخبارية مع أفريقيا.
رد الفعل عندنا بدأ كالعادة خليطًا بين العاطفية والتجاهل والارتباك والصدمة، لكن الأهم هو أن الذاكرة لدينا موسمية، نسينا الأمر وعدنا له مع جنازة بيريز.
شيمون بيريز أحد الذين لعبوا دورًا فى مد علاقات إسرائيل فى أفريقيا، ويومًا ما كان هناك تيار فى الكونجرس الأمريكى يعترض على حجم المساعدات التى تقدمها وانشطن لإسرائيل، ورد رئيس الوزراء وقتها بأن ما تحصل عليه إسرائيل من مساعدات أقل تكلفة من تحريك حاملة طائرات أمريكية، وكانت إسرائيل سبقت فى الثمانينيات بقصف المفاعل النووى العراقى، وعندما اعترض جورج بوش الأب على منحة لإسرائيل خسر الانتخابات فى مواجهة بيل كلينتون، بالرغم من أن جورج بوش كان قد نجح فى تجييش تحالف لتحرير الكويت وتدمير العراق وفرض مباحثات مدريد للسلام، لكنه خسر عندما اعترض على مساعدات لإسرائيل.
السياسة فى العالم يعاد تشكيلها، بشكل يتجاوز الكثير من المواقف القديمة ويستلزم تحولات فى التحالفات والعلاقات أكثر من مجرد تحليل ابتسامة أو بكاء فى جنازة، تبدو مناسبة أقرب جنازة لسياسات عقيمة. وطريقة تفكير سريعة النسيان.