نحن نشتكى من «الأجيال الجديدة» نراهم «عشوائيين» لا يتقنون شيئا سوى التخريب، نرى أفواج الصبية فى الأعياد فنشعر بالذعر خوفا من التعرض لموجة من موجات التحرش أو عمل من أعمال الإيذاء المتعمد بغرض الإيذاء فحسب، يكبر الأطفال فلا ينتمون إلى شىء، يتحولون إلى فتية لا يحبون سوى النكران، يُنتزع منهم الجمال انتزاعا، فإذا ما مروا على مكان شوهوه، وإذا ما ركبوا وسيلة مواصلات اجتهدوا فى تقطيع جلد المقاعد، وإذا ما مروا بسيارة ما ووجدوا فى يدهم آلة حادة لم يتورعوا عن تجريح هذه السيارة وتشويهها، دون، حتى، وجود سبب لهذه الروح الانتقامية المخربة، نتساءل فى داخلنا: ما سبب هذه الروح المقيتة؟ دون أن نجد إجابة شافية، غير مدركين أن الإجابة أسهل ما يكون، لكننا للأسف لم نعد ننظر إلى ما هو أبعد من أنوفنا.
الأمر بسيط، بل غاية فى البساطة، فالسبب هو أن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا منذ الصغر تذوق الجمال، فأصبح القبح فطرة، انظر إلى الطفل فى مرحلة تكوين الشخصية فى عمر سنتين أو ثلاث، تراه مثل الملاك، ينطلق فى الحياة بروح وثابة، يبتهج بالموسيقى، وينتعش بالألوان منجذبا إليها، يمسك الطفل بالقلم فينتشى، يفرح حينما تمنحه ورقة ليمارس عليها فن «الشخبطة» فتملؤه هذه «الشخبطة» سرورا، هو طفل فى مرحلة بدائية من التعلم، وإنجاز أى شىء بالنسبة له «إنجاز» حتى لو كان هذا الشىء مجرد خطوط متقاطعة أو متشابكة، فالإنسان فى مراحل الحياة الأولى لا يختلف عن الحيوان كثيرا، ومن المفترض أن تحوله التربية والتعليم إلى «إنسان» حقيقى، لكن للأسف هذا ما لا يحدث.
علموا أولادكم الفن، لتتحول تلك «الشخبطة» إلى لوحة فنية، علموهم تذوق الموسيقى لتقفز أرواحهم فرحا بالتناسق والمنطقية والتناغم، أخرجوهم من مرحلة «الإنسان البدائى» التى تعشش فى داخلنا فتتحول إلى طاقة مدمرة للوطن، علموهم الارتقاء برغباتهم حتى تتحول الغرائز إلى قوة دافعة لا إلى آلات هدم وانتهاك، علموهم أن الحياة مرآة لنا، وأن تلال القمامة فى الشوارع ليست سوى صورة مصغرة من تلال القمامة فى داخلنا، قل لطفلك: أنت العالم، وبقدر ما كان عالمك جميلا كنت جميلا، وقل لنفسك إن «شقاوة الأطفال» دليل على حيويتهم، وبيدك أن تجعل هذه «الشقاوة» إنجاز إيجابى تفتخر به، وتذكر هذا الكلام جيدا كلما ارتعبت من رؤية حفنة أطفال فى شوارع وسط البلد فى العيد.