لا نتنبه أحيانا إلى أن الثقافة هى الضحية الأولى للحروب والاشتباكات الدائرة فى معظم البلاد العربية، فى سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من الدول، التى صار الصراع المسلح طقسها اليومى وطريقتها فى الحياة، وذلك لأن التاريخ يُصدِّر لنا دائما أن ظروف الحرب والدمار تنتج أدبا عظيما وملاحم إنسانية كبيرة، لكننا فى غمرة كلامنا عن الملاحم المؤلمة نتناسى النفوس التى حطمتها هذه الحرب والمواهب التى أطفأتها والحالمين الذين افترستهم.
الحروب لا تخلف شيئا جيدا أبدا، وقد لفت نظرى ما نعانيه نحن العرب من موقفين تضامنيين حدثا منذ أيام قليلة، الأول ما قام به اتحاد كتاب الإمارات بترشيح عشرة أعمال تتصف بالتميز الفنى لكتاب وشعراء يمنيين، لنشرها من قبل اتحاد كتاب وأدباء الإمارات تنفيذاً لتعهد كل من اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، واتحاد الكتاب التونسيين، بنشر وترجمة كتب لأدباء وشعراء يمنيين، لفك العزلة عن اليمن فى هذه المرحلة.
الموقف الثانى هو الفيديو الذى نشره الشاعر العراقى «كاظم خنجر» على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك وفيه يقوم الشاعر الفرنسى «سيدريك لوريبل» بإحراق قصيدته تضامنا مع ما يتعرض له الشعب العراقى من أحداث وعنف وتطرف، خاصة عمليات التفخيخ التى انتشرت فى العراق فى الفترة الأخيرة.
هذان الموقفان وغيرهما بقدر ما تكشفان من تضامن بين المثقفين لكنهما فى الوقت نفسه توضحان الكارثة التى نعانى منها، فاليمن والعراق وحضاراتهما يدفعان ثمنا قاسيا هما ليس جزءا منه، إنما سببه التناحر على السلطة، لعلنا لا نتوقف أبدا لنفكر أن جيل الشباب فى العراق جاء للحياة متأخرا بعد حرب الخليج، ويدفعون ثمن شىء حتى لم يشاهدوه بأعينهم.
أما سوريا التى تتلاشى شيئا فشيئا، فحتى لو كتبت عنها بعد ذلك أكبر ملحمة فى التاريخ، فإن ذلك غير كافٍ لوصف الألم الذى انتشر فى ربوع هذه الحضارة، ففى سنوات قلية محيت مدن كاملة كانت تمثل حضارة بلاد الشام وآثارها القديمة، ولم تعد حتى المنظمات الدولية مثل اليونسكو قادرة على المساعدة.
على الجميع أن يعملوا على إنهاء الحروب فى هذه البلاد، فمهما تضامن الناس والمنظمات لن يستطيع أحد أن يفعل شيئا طالما رحى الحرب دائرة.
ربما يسأل الواحد نفسه لماذا تقوم الحروب فى أرض الحضارات القديمة، هل هناك من يسعى لمحو التاريخ العربى تماما، هل تآمر العالم حقيقية، أم أن الجهل الكامن والغباء المستحكم هما من يفعلا فينا هذه الأفاعيل.