حتى يمكننا أن نحدد أثر الأدوات والسياسات المالية المستخدمة فى مصر ومنها ما يثر الجدل مثل ضريبة القيمة المضافة وغيرها من الادوات الانكماشية والتى تعصف بكل فئات المجتمع وبالأخص محدودى الخل والفقراء، فى إعادة توزيع الدخل القومى بين مختلف الفئات المكونة للمجتمع، يجب علينا أولاً أن نحدد هذه الفئات الاجتماعية، حتى نصل إلى الفئات الأكثر احتياجًا لإعادة توزيع الدخل القومى فى صالحها.
وعلى هذا يمكن الاعتماد، فى هذا التحديد على ثلاثة طرق وهى: تقسيم المجتمع إلى فئات تبعًا لمستويات الدخل، وتقسيم المجتمع تبعًا لمصادر الدخل، والتقسيم الأخير للمجتمع تبعًا لفروع الدخل (أى الأنشطة الإنتاجية).
وننبه هنا أنه من المنطقى تختلف التقسيمات فى مصر عن دول أخرى تبعًا لطبيعة النظام الاجتماعى وتبعًا لمدى التفاوت بين الدخول (أى الفجوة بين الأغنياء والفقراء)، وتبعًا لمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى، وتبعًا لطبيعة النظام الاقتصادى.
وعلى ذلك يتطلب منّا تقسيم المجتمع أولاً إلى فئات تبعًا "لمستويات الدخول"، ونحن بصدد الحكم على سياسة إعادة توزيع الدخل القومى فى مصر، من خلال أمرين، أولاً: أن نحدد المستويات المختلفة للدخول التى نعتمد عليها فى تحديد الفئات الاجتماعية المختلفة محل إعادة توزيع الدخل القومى. ولاشك أن اختيار هذه المستويات مسألة تحكمية (أى تقديرية) والذى يقوم بها يتمتع بمرونة واسعة فى الاختيار. ومع ذلك فإن هذه المستويات لابد وأن تختلف من دولة إلى دولة أخرى، بمعنى آخر أن عدد المستويات (أى عدد الفئات الاجتماعية) يمكن أن يختلف تقسيمها حسب البلد محل القياس (فالولايات المتحدة الأمريكية ضرورى أن تختلف عن الصومال فى تقسيم الفئات الاجتماعية).
فيمكن أن نقسم الفئات الاجتماعية إلى ثلاثة أو أكثر حسب البلد. كما أن لدى كل مستوى يمكن أيضًا يختلفا من بلد لبلد آخر. ويكون اختلاف عدد مستويات الدخول وحدود هذه المستويات تبعًا لمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى معًا لمدى التفاوت فى الدخول (مثل مصر والكويت). ففى البلاد التى تعرف التفاوت الكبير بين الدخول كمصر، تتعدد الفئات الاجتماعية المركزية للشعب إلى أكثر من أربعة فئات، وهذا عكس البلاد التى لا تعرف التفاوت الكبير بين الدخول كالكويت. وهذا أمر هام يجب أن تأخذه الحكومة المصرية فى عملية القياس والتقسيم. وثانيًا؛ عملية تقسيم الحجم الكلى للدخل القومى (أى تحديد نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي) وذلك بين الفئات الاجتماعية المختلفة التى سبق تحديدها فى الحالة المصرية إلى أربع أو خمس فئات (ما بين الثراء الفاحش حتى الفقر المضجع)، أى تبعًا لمختلف مستويات الدخل بحيث نحدد نصيب كل فئة من الدخل الكلي، ثم نصيب الفرد منه وذلك بمعرفة عدد الأفراد الداخلين فى كل فئة، وبمعرفة دخولهم الفردية.
وهنا يثور التساؤل لمعرفة الدخول الفردية التى نعتمد عليها فى حساب نصيب كل فئة اجتماعية من الدخل القومي، ويثور التساؤل لاختيار الوثائق (إن وجدت) التى تعتمد عليها الحكومة فى التعرف على هذه الدخول. والمنطقي، اختصارًا للمجهود، أن تعتمد الدولة على الوثائق القائمة بالفعل. ولا شك أن اختيار هذه الوثائق يختلف من دولة إلى أخرى تبعًا لنوع الوثائق الأكثر توافرًا وتبعًا لحجم الاقتصاد المنظور والاقتصاد غير المنظور (أى النشاط الرسمى وغير الرسمى(.
والحق أن سجلات الأجور والمرتبات فى معظم دول العالم المتقدم أو الأخذ فى النمو أو حتى المتخلفة، تحتل أهمية كبيرة فى تحديد الدخول الفردية أكثر من غيرهما من الأدوات الأخرى. ولذلك يكون من الممكن أن نرد معرفة كيفية توزيع الدخل القومى بين مختلف مستويات الدخول إلى تلك الوثائق، وإن كان هذا الإجراء فى دولة مثل مصر يشوبه العوار، وذلك لاتساع حجم الاقتصاد غير الرسمى عندنا.
وعلى هذا الأساس لا يمكن للحكومة أن تكتفى فقط بالاعتماد على سجلات الأجور والمرتبات (سواء فى القطاع الخاص أو العام فى مصر وذلك لسببين) ؛ أولهما: عدم توافر كافة السجلات بصورة منتظمة إلا فى القطاع الحكومى وفى الشركات الكبرى وثانيهما أن الأجور والمرتبات (فى القطاعين العام والخاص) لا تشكل فى النظام الاقتصادى المصرى إلا جزءًا من الدخل القومى (لكبر حجم الاقتصاد غير المنظور)، وهنا يكون من الممكن الاعتماد على الوثائق المالية الخاصة بدافعى الضرائب وما يستحدث من أدوات مالية تحدد مستوى الدخول وإن كان مغايراً لواقع السجلات الموثقة (مثل الذى سوف يثبت من جداول الضرائب العقارية الجديدة). وهذه سوف تكون أحد أهم الوثائق المالية التى تمكن الحكومة من التعرف على الدخول الفردية الحقيقية، لا الموثقة فى السجلات، حتى تتحقق العدالة الاجتماعية، ويعاد توزيع الدخل القومى فى صالح الفئات الأكثر احتياجًا.
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة