أهم دروس التاريخ أن أحدًا لا يمكنه مصادرة أو اختزال أدوار، ولا حتى يمكن لأحد أن يضمن لنفسه مكانًا مختارًا، فالتاريخ يتفاعل، ومع السنوات تختفى شخصيات وتظهر أخرى، وفى معركة العبور كانت هناك معارك شخصية فى المستويات الأعلى، بدأت عند خلاف الرئيس السادات مع رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلى، وأزال صورته من الصورة الشهيرة لغرفة عمليات الحرب، وكانت أول خطوة لمحاولة تعديل التاريخ لمزاج السياسة، لكن السنوات مرت، وعاد الشاذلى ليحتل مكانه ودوره فى صنع النصر، فضلًا عن تأسيس سلاح المظلات.
ومن المفارقات أن الرئيس السادات كان أكثر من تعرضوا بعد ذلك لهجمات، وحاول خصومه التقليل من دوره، وانتزاع أى ميزة له، وأسهم الاستاذ محمد حسنين هيكل بجهد كبير للانتقام شخصيًا من السادات، وكانت محاولات هيكل لعبت دورًا فى تشويش صورة النصر، والمبالغة فى مهاجمة السادات، لكن السنوات دارت وعاد السادات ليحتل مكانته بميزاته وعيوبه، ولم تستطع سنوات من الهجوم أن تقلل من دوره ورؤيته السياسية.
ومثل السادات كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى يشغل جدلًا حاليًا، وهناك حملات من أنصار له يلومون فيها تجاهل دوره فى نصر أكتوبر كقائد للطيران، وهو أمر صحيح، لكن مبارك نفسه شارك فى طمس أدوار قادة آخرين، على رأسهم الفريق الشاذلى، وصمت على إزالة صورته من صور القادة، كما أنه صدق على سجنه فى اتهامه بإذاعة أسرار عسكرية، ثم إن مبارك ركز على الضربة الجوية، وقلل من أدوار كل أسلحة الجيش التى صنعت نصرًا جماعيًا كان الطيران جزءًا منه، ومن المفارقات أن جنازة شعبية خرجت تودع الفريق الشاذلى يوم كان مبارك يغادر القصر فى فبراير 2011.
ووصل الأمر لأن تظهر شخصيات مجهولة تبالغ فى التقليل من دور مبارك، وأنه ليس صاحب الضربة الجوية، وهى شهادت غير موثوقة، أغلبها من مجهولين يبحثون عن دور، مع الأخذ فى الاعتبار أن الصراع هو ما خلق الحرب على قمة الحرب، بينما لا اختلاف على بطولات الجنود والضباط المصريين والشعب، وهم صانعو النصر، وهؤلاء لم تكن لهم أطماع أو صراعات، بل إنهم واجهوا ظلمًا واضحًا.
هذه حسابات السياسة، أما حسابات التاريخ فهى تختلف، حيث يحتل كل قائد مكانه الحقيقى، لكن التاريخ أيضًا يعلم الجميع أنه لا أحد يملك القدرة على إزالة شركائه، أو إنكار دور، وأن الأيام تدور، ويحصل كل واحد على حقه.